خطف الرضّع في باكستان

17 ابريل 2016
تمتد الظاهرة إلى مختلف المناطق الباكستانية (Getty)
+ الخط -

ما زالت هذه الحادثة عالقة في ذهن نسرين. تحكي هذه المرأة، وهي ممرضة تعمل في أحد المستشفيات الخاصة بالنساء في مدينة بشاور، عاصمة إقليم خيبر بختونخوا (شمال غربي باكستان)، لـ"العربي الجديد"، قصة طفل خُطف بعد يوم من ولادته. تقول: "جاءت امرأة تُدعى ماجين برفقة والدتها وزوجها إلى المستشفى لوضع طفلها الأول. الفرحة كانت تغمر العائلة قبل أن يتغيّر كل شيء. بعد نحو 24 ساعة، رزقت بطفل. وفي الصباح، خرجت الجدة بروين بي بي من الغرفة لتتوضأ، فيما كانت ابنتها نائمة وطفلها إلى جانبها. في هذه اللحظات، دخلت امرأة مجهولة الغرفة وخطفت الطفل".

لدى عودة الجدة وعدم رؤيتها الطفل، أثارت ضجة في المستشفى، لكن من دون جدوى. فالمرأة المجهولة أخذت الطفل وخرجت من دون أن يعرفها أحد. بدأت الشرطة تحقّق مع كل شخص يعمل في المستشفى. وقد أظهرت كاميرات المراقبة امرأة تدخل إلى المستشفى وهي ترتدي العباءة التقليدية التي تغطي المرأة من رأسها وحتى أسفل قدميها، وتتوجه إلى سرير الطفل وتأخذه ثم تغادر.

وبعد فشل جهود الشرطة في الوصول إلى الجهة الخاطفة، طلبت رئيسة المستشفى، نجلا خان، من الشرطة التحقيق مع موظفة في قسم النظافة مجدداً. اعترفت أنها هي التي خطفت الطفل بالتنسيق مع زميلة لها في قريتها، بهدف بيعه لعائلة حرمت من الأطفال.

هذه الجريمة ليست حدثاً نادراً في البلاد، بل تكثر جرائم خطف الأطفال في مختلف المناطق الباكستانية. وغالباً ما تقف وراءها عصابات تربطها علاقات وطيدة مع عناصر أمنية.

وكانت السلطات الباكستانية قد أعلنت، قبل فترة، اعتقال عدد من أفراد عصابة كانت تخطف الأطفال بعد الولادة من خلال الاستعانة بالممرضات والعاملات في المستشفيات الخاصة بالنساء في مدينة بشاور. وكانت العصابة تبيع الأطفال المخطوفين بعد الولادة للأثرياء في المدن الباكستانية المختلفة.

وكشفت السلطات أن العصابة التي كان يرأسها محمد ضمير، المعتقل لدى الشرطة، تعمل في مختلف المدن الباكستانية، وترسل الأطفال المخطوفين إلى مدينة كراتشي وحيدر آباد ولاهور وكوجرانوله، ثم تبيعهم إلى عصابات أخرى أو عائلات ترغب في تبني الأطفال.




يقول أحد سكان منطقة قمر الدين وسط مدينة بشاور، إنه كان يخطف الأطفال من المستشفيات الخاصة بالنساء من خلال الاستعانة بزوجته، التي كانت لها علاقات جيدة مع العاملات والممرضات في المستشفيات، ثم يبيعهم. ولا تكاد مدينة باكستانية تخلو من حوادث خطف الأطفال، ما يؤكّد أنها ظاهرة متنامية، وقد باتت السلطات الباكستانية عاجزة عن التصدي لها، خصوصاً أن العصابة تنسق مع بعض المسؤولين في الأمن والشرطة. وبعدما كانت مدينة بشاور معروفة بكونها مركزاً لعصابات خطف الأطفال وبيعهم، فقد بات لتلك العصابات نفوذ قوي في كثير من المدن ككراتشي ولاهور وحيدر آباد وملتان. كذلك، فإن تفشي الظاهرة في المستشفيات المحصنة أمنياً يشير إلى مدى خطورتها، بالإضافة إلى فشل الأجهزة الأمنية في الكشف عن العصابات وأفرادها في معظم الأحيان.

ومن بين القصص المتداولة خطف امرأة مجهولة قبل مدة، طفلاً بعد ولادته مباشرة من مستشفى جناح في مدينة لاهور. وبعد إثارة القضية في وسائل الإعلام، قالت الشرطة إنها سجلت الدعوى ضد مجهولين، آملة في التوصل قريباً إلى معرفة المتورطين في القضية. ويتهم والد الطفل محمد عامر، وهو من سكان مدينة كوجرانواله، مسؤولين في المستشفى بالتورط مع عناصر من الشرطة في هذه الجريمة.

وفي العاصمة الباكستانية إسلام آباد، تكررت هذه الجرائم أيضاً. وكان أبرزها ما شهدته مستشفى "بمز". خطف طفل مُدرّسة تسكن إحدى ضواحي العاصمة. وقبل أشهر، كانت قد قصدت وزوجها ضياء الله المستشفى. وبعد يوم، وضعت المرأة طفلها. وفي الليل، أخذت امرأة ترتدي زي الممرضة الطفل بذريعة إجراء فحوصات، ليختفي الطفل. وقالت إدارة المستشفى إن امرأة أجنبية خطفت الولد من دون أن يكون لأي من المسؤولين والعاملين في المستشفى علاقة بالقضية. إلا أن أسرة الطفل تدعي أن الأمر حدث بالتواطؤ مع المسؤولين في المستشفى. وعمدت أسرة الطفل إلى نصب خيام خارج المستشفى إلى حين عثور الشرطة على الطفل من دون أي نتيجة. وتشهد العاصمة إسلام آباد ومدينة روالبندي حوادث مشابهة، من دون أن تتناولها وسائل الإعلام في أحيان كثيرة.

تجدر الإشارة إلى أنه عادة ما تعمد العصابات المتورطة في خطف الأطفال إلى التلطّي خلف مؤسسات على تماس مع المواطنين، على غرار تلك العاملة في مجال حقوق الإنسان. وفي إسلام آباد، اعتقلت الشرطة امرأة وزوجها كانا يديران مؤسسة تعنى بالعمل الاجتماعي، إلا أن المؤسسة كانت تبيع الأطفال بعد خطفهم. وأكدت الشرطة أنه كان لدى المؤسسة 12 طفلاً للبيع، وقد باعت الكثير من الأطفال في وقت سابق.

وكشفت الشرطة في مدينة كراتشي أن بعض الذين يدعون بأنهم شيوخ قبائل وممثلو عشائر ضالعون في خطف الأطفال وبيعهم. وتؤكد التقارير الأمنية أن بعض العصابات المتورطة في خطف الأطفال لها علاقات قوية بالعصابات في أفغانستان، وعادة ما يفر أفراد تلك العصابات إلى أفغانستان هرباً من الملاحقة القضائية والقانونية.

تجدر الإشارة إلى أن العصابات تتواجد في المناطق القبلية الباكستانية. وبعد شنّ الجيش الباكستاني عمليات عسكرية طاولت الحزام القبلي، اختار المتورطون في خطف الأطفال اللجوء إلى أفغانستان خوفاً من الاعتقال.

دلالات