الترحال يقلق أهل العراق

20 سبتمبر 2016
ينتظرون حصّتهم الغذائية (يونس كيليس/ الأناضول)
+ الخط -
أجبرت ظروف البلاد غير المستقرة ملايين العراقيين على التنقل الدائم داخل مدنهم، بحثاً عن الأمان. يبدو أنّ لا مكان في هذه البلاد قادر على استقبال هؤلاء واحتضانهم طويلاً. ويروي البعض لـ "العربي الجديد" تجارب مريرة في الترحال. الإعلامي والفنان ملاذ إسماعيل من الذين تهجّروا من مدينة الفلوجة ونزحوا إلى إقليم كردستان العراق. يقول إنّ "الوطن يعني الأمن والأمان. أمّا في العراق، فالوطن بالنسبة إليّ هو الضياع". يضيف: "في المرحلة الابتدائية وفي كتب الدراسة، كنّا نتأثر ونحن نرى أطفال فلسطين والخيم المتهرئة التي بالكاد تقيهم من البرد والحر. لكن، لم يخيّل لنا أن نصل إلى حال أكثر بؤساً". ويشير إلى أنّه خلال دراسته الجامعية في كلية الإدارة والاقتصاد، كانت محاضرات حول الحاجات الأساسية والأمان للبشر تحت مسمى "هرم ماسلو للاحتياجات الإنسانية". ويتابع: "لكنّنا لم نجدها في وطننا العراق. ما قيمة الإنسان من غير أمان؟ الواحد لن يهنأ بعيش ولو كان في جنّة من جنان الأرض".

ويخبر إسماعيل أنّ نزوحه الأول كان إلى "جنوب العراق في عام 2004 خلال معارك الفلوجة مع المحتلّ الأميركي. بقيت لسنتين شبه مستقر هناك، وقد تعرّضت لأكثر من مرّة إلى الموت. وحين بدأت مرحلة الطائفية في عام 2006، عدت إلى الفلوجة بعدما فقدت كلّ ما أملك من أثاث، وبدأت من جديد تكوين نفسي. لم أتوقّع أن أتهجّر من جديد في عام 2014 بعد دخول تنظيم داعش إلى المنطقة. نزحت إلى كردستان العراق، ومعي ثلاث عوائل أتكفّل بهم".



ويشكو إسماعيل من أنّ "النزوح أفقدني عملي. أفقدني استديو تصوير الدمى والعرائس لأفلام الكارتون (الرسوم المتحرّكة). كذلك تعرّض منزلي للنهب والحرق والقصف، هو المنزل الذي أسسته للمرة الثانية في الفلوجة. وعدت إلى الصفر، بلا مأوى. الترحال الدائم جعلني أعاني كثيراً. تحاملت على نفسي وصحتي وعملت بمهن عدّة، لأنّ قنوات فضائية كثيرة تعمل وفق حسابات طائفية أو وفق أجندات مؤسسيها. فلا تستقبلنا نحن الإعلاميين والفنانين النازحين، مفضّلة الذين يوافقونها الرأي السياسي، من دون أن يكون من المهنيين". ويشير إلى أنّ "مستحقاتنا التي خصصت لنا كنازحين منذ ثلاث سنوات، كلها سرقت. وهو ما جعلنا نعاني الأمرّين في نهاية كل شهر، بسبب الإيجارات والمصاريف. فكردستان منطقة سياحية وهو ما يجعل الأسعار مضاعفة فيها".

من جهته، يقول الشيخ طالب العزي وهو إمام وخطيب سابق مهجّر من ديالى، إنّ "الأصل بالإنسان أن يكون له مأوى آمن ومستقر. والاستقرار يعني توفّر السكن المريح واللائق الذي يكفي العائلة، فيرتاح أفرادها في أكلهم وشربهم ونومهم وممارسة حياتهم الطبيعية. والاستقرار لا يتحقق إلا بالأمن والأمان، مع سكن وحقّ في العيش بلا خوف وقلق. من هنا، يأتي النزوح عن الديار والهجرة كنتيجة للخوف والقلق وعدم الشعور بالأمن والأمان، أي عدم توفّر الاستقرار والطمأنينة". ويشير إلى أنّ المتاعب النفسية والمادية تطاول الأسر الفقيرة أصلاً قبل النزوح. أعرف عوائل نزحت أكثر من مرّة، فالبيت لم يعد موجوداً، والأثاث يباع بثمن زهيد.
ويعاني أفراد تلك العوائل من شعور بالغربة وفقد الأصدقاء والبعد عن الأهل والأقرباء، بالإضافة إلى كيفية التكيّف مع بيئة جديدة". يضيف أنّ "لا بدّ من التعامل مع قلق دائم حول حاضر مؤلم ومستقبل مجهول، بالإضافة إلى دراسة الأبناء وفرص العمل. وتطول اللائحة، فهذا غيض من فيض مشاكل النزوح والتهجير المستمر".

في هذا السياق، تقول الباحثة الاجتماعية رؤى عبد الله إنّه "من المؤلم حقاً أن يتنامى النزوح داخل العراق بعد عام 2003. العراقيون بغالبيتهم العظمى فقدوا الأمل بأن تنتهي محنتهم، وأصبحت العودة إلى مدنهم الأصلية اليوم محنة أكبر. وهذا ما اضطرهم إلى البقاء في بيئاتهم الجديدة، بالتزامن مع تزايد لافت في أعداد المتقدمين بطلبات لجوء وهجرة". وتلفت إلى أنّ "مستقبل ملايين العراقيين تعرقل. لهذا، يصبرون ويتحمّلون الأذى اليومي. كذلك فإنّ مسألة النزوح من بيتك ومدينتك وقريتك وصحبتك قرار صعب، في وقت يخلّف الترحال آثاراً نفسية سيئة، لا سيما القلق والتوتّر". وتتابع أنّ "الأزمة قد تطول، وهذا ما يمدّد عمر النزوح والتنقل المتكرر. لذا على الجهات المختصة من منظمات عالمية ومحلية فتح مراكز تأهيل ومتابعة نفسية في مناطق النزوح، أمّا الجهات الحكومية فلا بدّ لها من العمل على توفير ما يمكّن الأسر النازحة من الاستقرار عن طريق توفير الاحتياجات إلى حين عودتها إلى مناطقها".

المساهمون