الأمّ اللبنانية... مقترح قانون يمنح الأولاد دون 18 عاماً جنسيتها

24 مايو 2019
صغار يطالبون بحقّهم في إحدى التظاهرات (حسين بيضون)
+ الخط -

ما زال موضوع منح الأمّ اللبنانية جنسيتها لأولادها يثير جدالاً في لبنان، لا سيّما مع طرح مشروع قانون جديد يسمح للمرأة بنقل جنسيتها إلى أولادها باستثناء مَن تجاوز الثامنة عشرة من عمره.

مشروع قانون جديد سلّمته الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية أخيراً إلى رئيس الحكومة سعد الحريري، يرمي إلى تعديل مواد من قانون الجنسية اللبنانية وإضافة أخرى متعلّقة بحقّ المرأة اللبنانية المقترنة برجل أجنبي في نقل جنسيتها لأولادها. بذلك، يرتفع عدد القوانين المقترحة في هذا الإطار إلى خمسة، غير أنّ أيّاً منها لم يُناقَش بعد في مجلس النواب. ولقي القانون الذي أعدّته الهيئة بتكليف من رئاسة الحكومة معارضةً نتيجة رفض الاستثناء الذي تضمّنه في ما يخصّ عدم الإقرار بحقّ من هم فوق الثامنة عشرة بالحصول على جنسيّة والدتهم اللبنانية.

وكان وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل قد استغلّ مناسبة عيد الأمّ في العام الماضي ليعلن عن مشروع قدّمه إلى الحكومة اللبنانية يهدف إلى تحقيق المساواة بين المرأة والرجل وإعطاء المرأة اللبنانية الحقّ في منح أولادها الجنسية إذا كانت متزوّجة من غير لبناني باستثناء الأزواج من دول الجوار، بسبب ما صنّفه في إطار احترام الدستور ومنع التوطين. ونصّ اقتراح باسيل على مساواة الرجل اللبناني بالمرأة في ذلك، بالنسبة إلى كل الجنسيات، بمعنى ألا يعطي الرجل جنسيته اللبنانية لأولاده في حال كانت والدتهم من الدول المستثناة.

كذلك، كانت كتلة اللقاء الديمقراطي في البرلمان اللبناني قد تقدّمت باقتراح قانون يمنح كلّ الذين ولدوا من أمّ لبنانية الحقّ في الحصول على الجنسية اللبنانية، ويسمح للأجانب المقيمين في لبنان بالتقدّم بطلب للحصول على الجنسية في حال توفّرت لديهم شروط محددة. كذلك تضمّن المشروع مواد عدّة تسمح باكتساب الجنسية ومنحها واستردادها.



من جهتها، قدّمت رئيسة لجنة المرأة والطفل النيابية، النائبة عناية عز الدين، في إبريل/ نيسان الماضي، اقتراح قانون يرمي إلى إعطاء أولاد الأمّ اللبنانية المتزوجة من أجنبي حقّ الاستفادة من كلّ حقوقهم المدنية والاجتماعية، بما فيها حقّ التملك والطبابة والعمل، وذلك بهدف التخفيف من معاناتهم، إدراكاً منها لـ"حجم التعقيدات السياسية والاعتبارات الطائفية والمذهبية والديموغرافية التي تحيط بهذا الموضوع". أمّا الاقتراح الرابع في السياق، فقدّمته النائبة في كتلة المستقبل النيابية رلى الطبش، ونصّ على منح الأم اللبنانية أولادها الجنسية من دون أيّ استثناء.

ومشاريع القوانين المتعلقة بالسماح للأمّ اللبنانية المتزوجة من أجنبي بمنح أولادها جنسيتها اللبنانية تواجَه برفضٍ مطلقٍ من قبل بعض الجهات السياسية والطائفية، إذ إنّها تتخوّف من أن يؤدّي إقرار قانون كهذا إلى تغيير ديموغرافي وإلى تفاوت كبير ما بين عدد المسلمين وعدد المسيحيين في البلاد. فالنساء المتزوجات من غير لبنانيين هنّ بمعظمهنّ مقترنات إمّا بفلسطينيين أو بسوريين، بحسب تلك الجهات التي تخشى كذلك من أن يرفع إقرار القانون نسبة هذا النوع من الزيجات.

مقترح الهيئة الوطنية

ورد في نصّ الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية أنّ القانون المقترح يسمح بـ"إنصاف المرأة المتزوجة من أجنبي وإنصاف أولادها انطلاقاً من حقّها الطبيعي ومن رابطة الدمّ التي تجمعهم، ومن مبدأ العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين الذي ينصّ عليه الدستور اللبناني، وذلك بالنسبة لنقل جنسيتها، عند نفاذ القانون لأولادها كما هو الحال بالنسبة إلى الأب اللبناني. ويشمل ذلك أولاد المرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي، القاصرين منهم، أي الذين لم يتمموا سنّ الثامنة عشرة عند نفاذ القانون. أمّا الأولاد الذين بلغوا سنّ الثامنة عشرة وما فوق عند نفاذ القانون، فيحصلون على الحقّ بالبطاقة الخضراء التي تولي حاملها الحقوق المدنية والاقتصادية والاجتماعية كافة التي يتمتع بها اللبنانيون، باستثناء الحقوق السياسية وحقّ تولّي الوظائف العامة وحقّ التملّك، على أن يطبّق عليهم قانون اكتساب غير اللبنانيين الحقوق العينية العقارية في ما يختص بهذه الحقوق". ولحظ مقترح القانون "إمكانية أن يتقدّم حامل البطاقة الخضراء، بعد انقضاء مهلة خمس سنوات على تاريخ استلامه البطاقة، بطلب الحصول على الجنسية اللبنانية إذا ثبت أنّه يستوفي شروطاً معيّنة، منها استيفاء الحصول على سجل عدلي لا حكم عليه".




في حديث إلى "العربي الجديد"، يعبّر رئيس حملة "جنسيتي كرامتي"، مصطفى الشعّار، عن رفضه استثناء المشروع المقدّم مَن تجاوز الثامنة عشرة، ويقول: "أبلغنا السيدة كلودين عون روكز (رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية)، بأنّنا ومثلما رفضنا التمييز بين الرجل اللبناني والمرأة اللبنانية، وكذلك بين امرأة لبنانية وأخرى، فإنّنا نرفض التمييز في ما بين أولاد المرأة اللبنانية. كذلك لن نقبل أن يطبّق على أولاد المرأة اللبنانية ما لا يطبّق على أولاد الرجل اللبناني". ويرى الشعّار أنّ "مشروع القانون سوف يفرّق العائلات أكثر. على سبيل المثال، سوف يكون للأمّ التي أنجبت أربعة أولاد، اثنان منهم تخطّيا سنّ الرشد واثنان ما زالا قاصرَين، ولدان يحملان الجنسية اللبنانية ويمكنهما العمل والاستفادة من الطبابة واثنان ممنوعان من كل ذلك".

ويشير الشعّار إلى أنّ "الحملة أرسلت إلى عون روكز اقتراحاً لتعديل المشروع حتى يتمكّن مَن هم فوق الثامنة عشرة من تقديم ملفاتهم وطلبات الحصول على الجنسية فور إقرار القانون ولمرّة واحدة، على أن يُنشأ لهذه الغاية مكتب خاص لشؤون الجنسية يدرس الملفات ويتأكد من خلوّ سجلّ المتقدّم من أيّ أحكام قضائية ومن أنّه ليس شخصاً سيّئاً". ويكرّر الشعّار تلويحه بالاعتصام الذي هدّد به سابقاً "في حال لم يطرح المسؤولون اللبنانيون بجدية مسألة حقّ الأم اللبنانية في منح أولادها جنسيّتها". يضيف أنّه "في 17 يونيو/ حزيران المقبل، تنتهي المهلة التي حدّدناها، وفي حال لم يعدَّل القانون فإنّنا سوف ننفّذ اعتصاماً مفتوحاً ولن نتراجع عنه إلا في حال طرحت المسألة بصورة جدية".

من جهتها، تقول رئيسة جمعية "المفكّرة القانونية"، المحامية غيدة فرنجية، لـ"العربي الجديد"، إنّ "هذا المشروع يشرّع حرمان النساء اللبنانيات من الحقّ في نقل الجنسية اللبنانية الأصيلة إلى أولادهنّ الذين ولدوا قبل 18 عاماً من صدور القانون في حال إقراره. بالتالي، سوف يبقى هؤلاء الأولاد تحت رحمة آليّة التجنيس التي تخضع لمنّة السياسيين وتجاذباتهم ولمصالح الطوائف، بدلاً من أن يُمنَحوا الحقّ في الجنسية الأكيدة والثابتة والمستقرة والحقوق السياسية والعقارية المرتبطة بها أسوة بأولاد الأب اللبناني. فالتجنيس في هذه الحالة يحصل بمرسوم، ويمكن سحب الجنسية من المجنّسين وفق شروط حدّدها القانون بخلاف من يولد لبنانياً والذي من غير الممكن سحب الجنسية منه". تضيف فرنجية أنّ "مشروع القانون المقدّم من قبل الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية يؤدّي كذلك إلى تشريع التمييز بحقّ المرأة، إذ إنّه لا يتضمن مبدأ المساواة بين الجنسَين الذي يعني أنّ كل طفل مولود من أب لبناني أو أمّ لبنانية يجب أن يُعَدّ لبنانياً". وتتابع أنّ "المشروع يشترط على من هم فوق 18 عاماً، بهدف حصولهم على البطاقة الخضراء، المحافظة على سجل قضائي نظيف وعدم ارتكاب الجرم الشائن، علماً أنّ الجرم الشائن يتضمّن تهماً كثيرة، الأمر الذي سوف يمثّل عائقاً ومشكلة أمام حصولهم على البطاقة الخضراء".



"التمييز مؤقّت"

توضح رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، كلودين عون روكز، في حديث إلى "العربي الجديد"، أنّ "24 امرأة لبنانية من مختلف الطوائف هنّ أعضاء في الهيئة، وقد شاركنَ بوضع المشروع بعد سبعة أشهر من النقاش". تضيف أنّ "المشروع ليس نموذجياً، لكنّه يمثّل خطوة متقدّمة حتى وإن كان ينطوي على تمييز ما"، مؤكدة أنّ التمييز مؤقّت، فالقانون سوف يصير مطلقاً مع الوقت، إذ إنّ كلّ أمّ لبنانية سوف تمنح أولادها جنسيتها فور إبصارهم النور". وتشير عون روكز إلى أنّ "الهيئة السابقة كانت قد اقترحت قانوناً ينصّ على المساواة الكاملة لكنّ مجلس النواب لم يناقشه، فانطلقنا من تلك المشكلة وهدفنا أن يُناقَش مشروع القانون في مجلس النواب". وتشدّد: "انطلقنا بهذا المشروع لأنّ ثمّة أناساً يتعذّبون في بيوتهم، فالأجنبي لا يتمتّع بحقوق في لبنان".

وعن المخاوف من أن يؤدّي مشروع القانون هذا إلى إحداث تغيير ديموغرافي ما قد يعرقل إقراره، تقول عون روكز إنّ "التغيير الديموغرافي لا يقف على المرأة اللبنانية، والقانون اقتُرح من منطلق حقوق المرأة". أمّا سبب استثناء من هم فوق 18 عاماً من الحصول على الجنسية فور إقرار القانون، فتعيده عون روكز إلى سببَين: "الأوّل أنّ هؤلاء يتمتّعون بكيان قانوني مستقل، والثاني حتى تحصل الدولة على مدّة زمنية تمكّنها من دراسة كل الملفات. نحن لا نريد تجنيس مجرم ولو كانت أمّه لبنانية". وتشير إلى أنّ "الهيئة وبحكم أنّها تتبع لرئاسة الحكومة التي قدّمت الاقتراح إليها، فإنّها سوف تترك المجال لرئيس الحكومة بطرح المشروع على مجلس الوزراء وإحالته إلى مجلس النواب. وفي حال لم يحصل ذلك، فإن الهيئة سوف تعمل على تقديم اقتراحها إلى مجلس النواب عبر 10 نواب ليُفتَح النقاش في المجلس". في سياق متصل، توضح عون روكز أنّ "الهيئة لم تتوصّل حتى الآن إلى مشروع قانون يحلّ مشكلة مكتومي القيد، والذين طالبوا كذلك بالحصول على جنسيّتهم اللبنانية"، مؤكدة أنّ "الهيئة تعمل على ذلك".




تجدر الإشارة إلى أنّ النائبة في كتلة المستقبل النيابية رلى الطبش وعلى الرغم من تصريح سابق لها أدلت به إلى "العربي الجديد"، وتوحي به بأنّ ثمّة توجّهاً إلى الموافقة على بنود كتلك التي وردت في المشروع المقترح من قبل الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، فإنّها تعبّر عن معارضتها للاستثناء الذي تضمّنه ذلك المشروع. تقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "المشروع استثنى مَن هم فوق سنّ الثامنة عشرة، وبالنسبة إليّ لا يجوز عدم حصول مَن ناضل لسنوات على الجنسية اللبنانية، وأن يؤجَّل ذلك خمس سنوات. تلك مهلة طويلة". تضيف أنّه "لو كانت المهلة سنة واحدة لكانت الموافقة ممكنة. وأظنّ أنّ سنة واحدة هي مهلة كافية كي تتمكّن الدولة من التحقّق من الملفات". لكنّ الطبش رغم ملاحظتها تلك، تؤكد أنّ "ما قدّمته الهيئة يمثّل مبادرة إيجابية". وفي ما يخصّ رأي كتلة المستقبل النيابية، تقول "هو مترجم في القانون الذي تقدّمنا به، وسوف يقوم حوار حول القوانين، وبالتأكيد سوف تكون معركة".
المساهمون