درب التعليم الوعر في اليمن

07 مارس 2017
مدرسة بلا تجهيزات (العربي الجديد)
+ الخط -
تعاني المدارس في ريف اليمن عدداً من المشاكل الكبرى التي تساهم في انحدار مستوى التعليم، وهو ما يؤدي إلى تسرب مدرسي يهدد مستقبل أجيال هذه المناطق الوعرة التي يجتهد التلاميذ للوصول إلى مدارسها، وبعضهم لا يصل أبداً.

تقطع التلميذة سلسبيل محمد (11 عاماً)، نحو خمسة كيلومترات مشياً في منطقة جبلية وعرة قبل أن تصل ‏إلى مدرستها في ريف محافظة المحويت، غرب اليمن. تواظب على ذلك يومياً، فوالدها يحرص على تعليمها بالرغم من مشقة وتكاليف ذلك.‏ يقول أبو سلسبيل: "تصل ابنتي إلى المدرسة منهكة وجائعة، وتحتاج إلى وقت كي ترتاح، لكنها اعتادت ذلك". ‏يشير إلى أنّها بعد العودة من مدرستها تؤدي الفروض المنزلية وتساعد والدتها في المنزل بالإضافة إلى ‏مساعدته أحياناً في بعض الأعمال الزراعية.‏

يضيف لـ"العربي الجديد": "نعيش على هذه الأرض، وقد تكيّفنا مع صعوبتها، لكنّ أطفالنا يعانون ‏من بُعد المدارس". يلفت إلى أنّ المنازل والقرى متناثرة في الجبال ومن الصعب إنشاء مدرسة في كلّ قرية صغيرة، لهذا يجري الاكتفاء ببناء مدرسة واحدة تتوسط بين أكثر من تجمع سكاني.‏

ظروف التعليم الصعبة في الريف اليمني حرمت غالبية الفتيات من التعليم. أسماء البيضاني إحداهن، فقد تجاوز ‏عمرها 15 عاماً، لكنّها حتى اليوم لم تستطع الالتحاق بالمدرسة لبعدها عن منزلها في ريف تعز. تقول: "بالقرب منا ‏مدارس، لكن لا مدرّسات للإناث فيها، وغالباً ما يدرس فيها الأولاد في العراء لعدم توفر الفصول الكافية". تشير إلى أنّها ‏باتت على ثقة تامة من أنّها لن تتمكن من الالتحاق بالمدرسة، خصوصاً مع استمرار الحرب في محافظتها منذ أكثر من سنتين.‏

في هذا الإطار، هناك فجوة واسعة بين أعداد المدرّسين والمدرّسات لصالح الفريق الأول لا سيما في الريف، وهو ما يمثل عائقاً أمام التحاق الفتيات بالمدارس. فأولياء الأمور ‏يرفضون تلقي فتياتهم أو قريباتهم التعليم على أيدي مدرّسين ذكور، وهو ما يبقي كثيراً من الفتيات خارج التعليم.‏

تنعدم مقوّمات التعليم الأساسية (العربي الجديد)


كذلك، تنعدم مقوّمات التعليم الأساسية في كثير من المديريات والمناطق الريفية اليمنية، وهو ما يساهم كذلك في تسرب التلاميذ من المدارس أو عدم الالتحاق بها أساساً. في هذا السياق، يعتقد مسؤول الأنشطة في المركز التعليمي ‏في قبلة ملحان التابعة لمحافظة المحويت، الحسن علي الخياطي، أنّ مدارس المنطقة بما فيها مدرسة التقدم ‏‏(أساسي، ثانوي) في منطقة حوره في ملحان، تنقصها التجهيزات الأساسية للتعليم، فهي تمتلك مبنى مكوناً من ستة غرف فقط من ضمنها غرفة لإدارة المدرسة وغرفة أخرى لسكن المعلمين الذين من خارج المنطقة.‏



يشير الخياطي، في حديثه إلى "العربي الجديد"، إلى أنّ هذه المدرسة التي تعتبر مثالاً لسوء الوضع التعليمي في الأرياف ‏مخصصة لتعليم نحو 700 تلميذ وتلميذة. يؤكد أنّ المدرسة "اضطرت إلى عقد فصول خارجية من دون ‏مقاعد، بل يجلس التلاميذ على الأرض، من أجل استيعاب العدد الكبير، في زوايا باحات المدرسة، تحت سواتر قماشية، وكذلك في المساجد، على ‏أمل أن يتوفر مبنى جديد مستقبلاً".‏

من ضمن أهم المشاكل التي تعانيها مدارس الريف أيضاً النقص في أعداد المدرّسين: "في المدرسة المذكورة لا يتجاوز ‏عددهم عشرين مدرّساً، ما دفع أولياء الأمور في المديرية إلى استقدام مدرّس لمادة الرياضيات وتحمّل راتبه الشهري بأنفسهم لتجنب ‏توقف العملية التعليمية مع أنّ ظروفهم المادية صعبة للغاية"، بحسب الخياطي. كذلك، يلفت إلى العجز الكبير منذ ثلاثة أعوام عن توفير الكتاب ‏المدرسي للتلاميذ في جميع المراحل الدراسية.‏

يوضح الخياطي أنّ الإدارات التعليمية في الأرياف تحرص على استمرار العملية بحدود ‏الإمكانيات المتاحة، لكنّ أعداد التلاميذ الكبيرة تجعل المهمة صعبة. يواصل: ‏‏"مدرسة التقدم تغطي أحياء وقرى كثيرة حولها، فبعض التلاميذ يضطر إلى المشي ساعتين للوصول إليها، ويمرّ ‏بأراض وعرة وغير معبدة، بل إنّ بعضهم، من الأعمار الأكبر، قرر السكن بجوار المدرسة والذهاب إلى المنزل ‏نهاية كلّ أسبوع توفيراً للوقت ومشقة السفر اليومي". يؤكد أيضاً أنّ بعض التلاميذ ممن لا يستطيعون تحمل دفع إيجار السكن ولا ‏أقارب لهم في المديرية يضطرون إلى السكن في فصول المدرسة بموافقة الإدارة.

كلّ تلك الظروف أجبرت الكثير من التلاميذ، خصوصاً الإناث، على ترك التعليم للالتحاق بميدان العمل. الفتيات بالذات لا يعملن لدى أرباب عمل بل يتولين تأمين بعض مستلزمات الأسرة كالمياه والحطب. تجلب ‏الفتيات المياه من مواردها البعيدة ويغسلن الملابس أيضاً عند تلك الموارد.

هذا الوضع دفع بعض المنظمات الإنسانية، مثل ‏برنامج الغذاء العالمي، إلى السعي لمعالجة القضية باعتماد حصة غذائية لأسرة التلاميذ شرط عودتهم إلى المدرسة. لكنّ هذه المبادرة ‏اقتصرت على مناطق قليلة. وبالرغم من فعاليتها في تلك المناطق، فهي لم تتوجه إلى حلّ أساس المشكلة أي الأزمة التعليمية في الريف بمختلف عناصرها.