زواج التونسية من غير مسلم... حرية شخصية

16 سبتمبر 2017
"مبروك لنساء تونس" (ياسين القايدي/ الأناضول)
+ الخط -

"مبروك لنساء تونس في تكريس حق حرية اختيار القرين". بهذه الكلمات أعلنت المتحدثة الرسمية باسم رئاسة الجمهورية التونسية، سعيدة القراش، أوّل من أمس الخميس، قرار "إلغاء كل النصوص المتعلقة بمنع زواج التونسية بأجنبي، يعني بعبارة أوضح منشور 1973 وما جاوره".

هكذا، أُقِرّ رسمياً إنهاء العمل بالمنشور المتعلق بزواج المرأة التونسية المسلمة بغير المسلم، بعدما أصدر رئيس الحكومة في الثامن من سبتمبر/ أيلول الجاري قراراً يقضي بإلغاء التعليمات الكتابية التي سبق أن أصدرها الوزير الأوّل في 19 أكتوبر/ تشرين الأوّل من عام 1973، ليصير متاحاً بصورة قانونية زواج المرأة التونسية برجل غير مسلم، من دون تقديم شهادة من دار الإفتاء تفيد باعتناقه الدين الإسلامي مثلما كان يحدث.

ربما يستغرب البعض سهولة إلغاء مانع قانوني استمرّ لعقود من الزمن في تونس، لكنّه لا بدّ من الإشارة إلى أنّ المناشير لا تعدّ نصوصاً تشريعية، لأنّها تصدر عن الوزراء بهدف تنظيم مجال من المجالات ولا تخضع لمصادقة البرلمان ولا ترقى إلى درجة القانون الذي يسنّه البرلمان، بالتالي في الإمكان التراجع عنه بمجرّد قرار لأنّه في مستوى الأوامر القانونية القابلة للإلغاء. تجدر الإشارة إلى أنّ هذا القرار يأتي تنفيذاً لدعوة الرئيس التونسي، الباجي قايد السبسي، في عيد المرأة الذي احتفلت به تونس في 13 أغسطس/ آب الماضي، لإلغاء هذا المنشور وبحث المساواة في الإرث بين الجنسَين.

والجدال حول هذا القرار ليس جدالاً قانونياً بالدرجة الأولى، إنّما هو ديني واجتماعي وسياسي بامتياز، وسوف تكون له تداعيات على هذه المستويات الثلاثة في الفترة المقبلة. يُذكر أنّ عدد الأجانب الذين اعتنقوا الدين الإسلامي في السنوات الأخيرة لم يتعدَّ بضعة آلاف. وتبيّن الأرقام المتداولة إعلامياً نقلاً عن دار الإفتاء أنّ نحو خمسة آلاف أجنبي اعتنقوا الدين الإسلامي في تونس من عام 2011 حتى يومنا، معظمهم من الأوروبيين. لا بدّ من الإشارة إلى أنّه ثمّة أشخاص من بين هؤلاء لم يفعلوا ذلك بهدف الزواج بالضرورة.

وكان ردّ الفعل الديني على دعوة الرئيس التونسي (خلال الشهر الماضي) قد أتى قوياً جداً، على الرغم من أنّه تأخّر نسبياً وتسبّب في حالة من الغموض. ففي حين أيّدت دار الإفتاء هذا التوجّه، وقّع عدد من علماء ومشايخ الزيتونة ودكاترة الشريعة وثيقة دعوا خلالها ''رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي إلى التراجع عن هذه الدعوة الخطيرة لتغيير أحكام الميراث القرآنية وإباحة زواج المرأة التونسية بغير مسلم لمخالفة ذلك لشرع الله تعالى مخالفة صريحة، ومصادمته للدستور التونسي في فصله الأوّل بالخصوص الذي ينص على أنّ دين الدولة هو الإسلام''. ورأى هؤلاء أنّ الرئيس تدخّل في ثوابت لا مجال لتبديلها، مشدّدين على أنّ زواج المسلمة بغير مسلم محرّم بالكتاب والسنّة والإجماع، وأنّ ارتباطها به يُعَدّ جريمة زنا.

واستنكر هؤلاء الموقّعون بشدّة ما وصفوه بـ"التهميش المتعمد للمؤسسات الدينية"، معلنين رفضهم لموقف مفتي الجمهورية التونسية عثمان بطيخ الذي تراجع فيه عن فتواه الصادرة في شهر يونيو/ حزيران من العام الماضي، والتي حرّم فيها المساواة في الميراث. وقد دعا الموقّعون على تلك الوثيقة كل الشعب التونسي والمرأة خصوصاً إلى الحفاظ على أحكام الإسلام والاعتزاز بها ومنها أحكام المواريث والأسرة والزواج، فيما دعوا رئيس الجمهورية "المسؤول الأوّل عن رعاية الدين وحماية المقدسات" إلى التراجع عن تلك "الدعوة الخطيرة".

تونسيات يحتفلنَ بيوم المرأة العالمي (فتحي بلعيد/ فرانس برس)


وكان من المفترض أن يقود الجدال الديني والمجتمعي إلى حوار واسع بهدف تقريب وجهات النظر، وأن يحاول الإجابة عن أسئلة مهمة حول مدى ملاءمة النصوص والتشريعات الدينية مع واقعها وحول مجالات الاجتهاد الممكنة في بعض التشريعات. لكنّ الحكومة التونسية وعلى الرغم من موجة الرفض تلك ومن دون أيّ حوار، أقدمت على تنفيذ قرارها تفاعلاً مع دعوة الرئيس.

في السياق، يقول كاتب عام النقابة الوطنية للأئمة والإطارات الدينية، فاضل عاشور، إنّه "بغضّ النظر عن منع منشور 1973 أو الإبقاء عليه، فإنّ ثمّة التزاماً أخلاقياً من المسلمة يقضي بعدم زواجها من أجنبي غير مسلم"، مشدداً على أنّ "الزواج تجانس وأخلاق وقيم. وعقد الزواج ينصّ على المودة والرحمة وغير المؤمن غير مؤتمن على عرض المسلمة ومالها ودمها".

ويوضح عاشور لـ "العربي الجديد" أنّ "الاختلاف في أداء الطقوس الدينية ما بين المسلمة وغير المسلم قد ينجم عنه نفور، وبالتالي زوال المودة وتفكّك الأسرة. كذلك فإنّ الحكم الشرعي ينصّ على أنّ زواج التونسية بغير المسلم يؤدّي إلى خروجها شرعياً من الميراث، فهي لا ترث والدَيها لأنّ الكافر لا يرث المسلم، وبالتالي تفقد بزواجها كل الامتيازات التي خصّها بها الشرع من سند عائلي ومالي، فتخسر دينها ودنياها". ويرى عاشور كذلك أنّه على "المرأة المسلمة التمسّك بهويتها المؤتمنة عليها، والتي تمثّل الذاكرة والأرض والتاريخ والقيم. لذلك لا يجب التفريط بها لصالح الآخر، أي الأجنبي. وهذه القيم لا بدّ من توريثها لأبنائنا المسلمين". ويشدّد على أنّ "المرأة المسلمة من منظور إسلامي هي الجنّة، والجنّة لا يدخلها إلا المسلم". ويلفت إلى أنّ "المرأة المسلمة في "الولايات المتحدة الأميركية وكندا وبموجب الشرع لا تتزوّج بغير المسلم، من دون أن ينصّ القانون الأميركي أو الكندي على ذلك، لأنّ ثمّة التزاماً أخلاقياً قبل أيّ قوانين أخرى وتقيداً بتعاليم الإسلام".




في المقابل، ترى رئيسة جمعية "بيتي"، سناء بن عاشور، وهي من أعضاء ائتلاف الجمعيات التونسية التي سبق ودعت إلى إلغاء منشور 1973، أنّ "ما حصل هو تتويج للتحركات السلمية والندوات التي خاضتها الجمعية ومكوّنات المجتمع المدني. وهذا الإلغاء لا يُعدّ مكسباً للمرأة التونسية فحسب وإنّما هو انتصار للحريات الفردية، خصوصاً وأنّ المجتمع التونسي صار قادراً على استيعاب الاختلاف السياسي وكذلك الديني وعلى الدفاع عن العيش المشترك على أساس قيم موحّدة". تضيف بن عاشور لـ"العربي الجديد" أنّ "تونس أصدرت دستوراً يتضمّن قيم المساواة والحرية، وهو دستور ضد العنف المسلّط على المرأة، وبالتالي لا يمكن من ضمنه منع العدالة الاجتماعية والقبول بمنشور يدعو إلى العنف المؤسساتي وإلى التمييز". وترى أنّ "المنشور الصادر في عام 1973 غير دستوري، ويتناقض والقيم التي ينصّ عليها الدستور الجديد لتونس ما بعد الثورة".

وتشدّد بن عاشور على أنّ "العلاقات البشرية تقوم على التسامح وقبول الآخر وهو ما دافعت عنه تونس بعد الثورة. فآلاف الأوضاع معطّلة، ونحن دافعنا عن إلغاء هذا المنشور من منطلق حالات عايناها وعايشناها". وتتابع أنّه "من غير المقبول أن تبقى حقوق هذه الفئات ضائعة ومهضومة في ظلّ التمسك بمنشور تجاوزته الأحداث ولا يرتقي إلى طموحات المجتمع التونسي". وتلفت إلى أنّ "من يدافع عن هذا المنشور من زاوية دينية، فإنّ عليه الرجوع إلى الدستور الذي يضمن حرية المعتقد، والذي ينصّ كذلك على أنّ تونس دولة مدنية وديمقراطية".

إلى ذلك، يرى مراقبون أنّ للأمر أوجها سياسية كذلك، إذ إنّ دعوة السبسي تكشف عن ممهدات في اتجاهات عدّة، بعضها يتعلق بمحاولة إحراج حركة النهضة الإسلامية، وآخر انتخابي يحاول مغازلة المرأة التونسية التي صوّتت له بكثافة في الانتخابات الماضية، وهو بالتالي يريد ضمان ذلك الرصيد قبيل الانتخابات البلدية التي تُنظّم في نهاية هذا العام مبدئياً. لكن، إلى أيّ حدّ قد يكون مفيداً بالفعل؟ وهل نساء تونس الناخبات يقبلنَ جميعهنَّ بما دعا إليه السبسي؟ وكيف يكون ردّ فعل بقيّة الأحزاب حول هذا الموضوع؟

دلالات
المساهمون