القرن الأفريقي يستغيث من الجوع

23 فبراير 2017
الجوع القاتل (العربي الجديد)
+ الخط -
ثمّة كارثة واقعة في القرن الأفريقي. هذا ما تشير إليه الأرقام الأخيرة. فقد نشر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية تقريراً يمثّل حصيلة كاملة لما آلت إليه الأوضاع على صعيد الغذاء في كلّ من الصومال وإثيوبيا وكينيا، بالإضافة إلى أوغندا، بعنوان "القرن الأفريقي... دعوة للتحرك... فبراير/شباط 2017". وكما يوحي العنوان، فإنّ المنظمة الدولية تسعى إلى حشد المانحين لجمع مبلغ 1.9 مليار دولار، بشكل عاجل، لمساعدة 12.8 مليون إنسان في هذه الدول يعانون من انعدام الأمن الغذائي.

يشير التقرير إلى أنّ الوضع الحالي بات أسوأ مما كانت عليه الأوضاع، حتى في أسوأ الظروف السابقة في 2010 -2011، بسبب استمرار الجفاف للعام الثالث على التوالي في المنطقة ونفاد المواد الغذائية، بالإضافة إلى أنّ مساحات كبيرة من هذه البلدان تعاني من النزاعات المسلحة أو الاضطرابات الأمنية. كذلك، يتوقع التقرير أن يستمر الجفاف حتى مايو/أيار المقبل في أقلّ تقدير، الأمر الذي يزيد الأوضاع سوءاً.

شحّ الأمطار في الشهر الأول من عام 2017 الجاري أدّى إلى زيادة أعداد السكان الذين يواجهون حاجة ماسة إلى الغذاء. وبحسب كلّ دولة، فإنّ أكثرية المحتاجين هي في إثيوبيا مع 5.6 ملايين إنسان، تليها الصومال مع ثلاثة ملايين إنسان، ثم كينيا مع 2.7 مليون إنسان، بعدما تضاعف الرقم من 1.3 مليون إنسان منذ أغسطس/آب 2016 فقط. كذلك، يواجه 1.6 مليون أوغندي أزمة الغذاء نفسها.

هذا الوضع يؤثر على الأطفال أكثر من غيرهم، بحسب التقرير، إذ يشير إلى أنّ 600 ألف طفل تتراوح أعمارهم ما بين ستة أشهر و59 شهراً (خمس سنوات تقريباً) في الصومال وإثيوبيا وكينيا، سوف يكونون في حاجة إلى العلاج من سوء التغذية الحاد في عام 2017، مع توقعات بارتفاع العدد أكثر بكثير.

أمّا على صعيد الأمراض، فإنّ الافتقار إلى المياه بسبب الجفاف يزيد من حدّة الأمراض المستوطنة، بالإضافة إلى التهديد بأمراض جديدة، خصوصاً أنّ نحو 17 مليون نسمة في الصومال وإثيوبيا وكينيا لن يتمكنوا من الوصول إلى المياه الآمنة هذا العام. في أمثلة على ذلك، فإنّ مناطق الصومال الجنوبية وجمهورية بونتلاند (المعلنة من طرف واحد) سجّلت ثلاثة آلاف و113 إصابة بالكوليرا في يناير/كانون الثاني الماضي وحده.

أزمة الجفاف لا تؤثّر فقط في غذاء السكان وصحّتهم، بل تمتد أيضاً إلى قطاعات أخرى. فالجفاف في تحالفه مع الاضطرابات الاقتصادية والنزاعات المسلحة في القرن الأفريقي، أدّى إلى منع التعليم عن نحو ستة ملايين طفل في الصومال وإثيوبيا وكينيا. كذلك، يتسبب هذا الوضع في انفصال أفراد العائلات عن بعضهم بعضاً في رحلة بحث كلّ منهم عن تأمين مصدر الغذاء، بالإضافة إلى تسببه في نزاعات أهلية سببها الصراع على الموارد الضئيلة جداً بدورها.


يشير التقرير كذلك، إلى النزوح الاضطراري للأهالي بسبب الجفاف وندرة الغذاء، سواء في حدود الدولة نفسها أو عبر الحدود. فخلال أزمة 2010 - 2011 هرب 184 ألف إنسان من الصومال في الأشهر الستة الأولى على الكارثة، أما الآن فقد عبر في الأسابيع الثلاثة الأولى من العام الجاري ثلاثة آلاف صومالي إلى إثيوبيا المجاورة. والأرقام عموماً مرشّحة للارتفاع، لتصل إلى مليونَي نازح داخلياً أو خارجياً في الصومال وإثيوبيا وكينيا.

وتواصل الأمم المتحدة ومنظماتها وغيرها من المنظمات الإنسانية، جهودها للحدّ من الجوع والفقر وتدارك الكوارث الناتجة عن الجفاف. ومع أنّ العمل مستمر على هذا الصعيد، إلا أنّ ثمّة حاجة ماسة إلى دعم مالي ولوجستي كبير لئلّا تخرج الأمور عن السيطرة. وبذلك، يعرض التقرير معطياته أمام الدول المانحة على وجه التحديد، إذ تحتاج المنظمات الإنسانية الدولية بصورة عاجلة إلى 1.9 مليار دولار أميركي لإنقاذ القرن الأفريقي، أقلّه بالنسبة لعام 2017.

أزمات أخرى محيطة
الضغوط على المنظمات الدولية كبيرة جداً من أجل الاستجابة للوضع الإنساني الغذائي في القرن الأفريقي. الأزمة هناك تترافق مع أزمات أخرى مشابهة وقريبة، خصوصاً في السودان ودولة جنوب السودان، حيث تضافرت عوامل عدّة كالجفاف والمحاصيل الضعيفة والصراع المسلّح في تهديد ملايين الأشخاص بالجوع.