"بعد 10 شهور من ولادتها، بدأت بقع تظهر على وجه أماني، وكانت لا تطيق أشعة الشمس، ما دفعني إلى التوجه لزيارة العديد من الأطباء، بهدف التعرف على المرض"، تقول الأم راضية.
أما أماني التي كبرت وأصبح عمرها اليوم 11 عاماً، فلا تواجه أي إشكال مع المرض، فهي طفلة ذات شخصية قوية استطاعت التّأقلم معه، حتى إنها حفظت ما يجب عليها فعله للوقاية من أشعة الشمس، منذ الصباح وإلى آخر النهار، على حدّ قولها.
تقول أماني "نعم ليس لدي أي إشكال مع هذا المرض، ولكنني توقفت مجبرة عن مواصلة دراستي، لأن إحدى معلماتي لم تستجب لمتطلبات وقايتي، وأهمها أن أدرس في قسم لا تدخله أشعة الشمس، مما دفعني إلى ترك مدرستي وأصدقائي".
ويصف الطبيب محمد الزغل، الذي اكتشف المرض، لمراسل الأناضول، أن هذا المرض الجيني، الذي يُدعى (xeroderma، كزيرودارما)، هو مرض وراثي، بحيث يعاني المصاب به من حساسيّة مفرطة للأشعة ما فوق البنفسجية، سواء القادمة من الشمس أو من أنواع معينة من الفوانيس.
وأضاف الزغل، "أن هذا المرض سرطاني بالنسبة للمرضى غير المحميين، ويتكاثر في الوجه ويمكن أن يشوهه، ويعيشون المصابون به بين 10 و15 سنة ثم يموتون، ولكن بإمكان من يقي نفسه أن يعيش إلى 70 أو 80 سنة".
وينتشر هذا المرض خاصة بين حالات زواج الأقارب، ففي شمال أفريقيا توجد حالة بين 10 آلاف شخص، ثم تأتي اليابان في المرتبة الثانية بحالة لكل 100 ألف، ثم أوروبا بحالة لكل 300 ألف، تليها أميركا بحالة لكل مليون خص، بحسب الطبيب.
ويضيف: "العلامات الأولى لهذا المرض، وجود القليل من الجفاف في بشرة المصاب به، وكلما اقترب من النافذة يصعب عليه تحمل الإضاءة، لتبدأ فيما بعد وخلال 6 أشهر، البقع البيضاء والبنيّة بالظهور". ويتابع "تعرف تونس ما يفوق 800 حالة لهذا المرض. وكنت عاينت أكثر من 500 وباشرتها على مدى 25 سنة، عدد كبير منهم توفاهم الله، والآن في جمعية أطفال القمر التي أنشط فيها لدينا 385 مريضاً".
وتطرّق الزغل إلى ما توصل إليه البحث العلمي في هذا المجال، مؤكداً أن "تونس لديها فريق طبي مختص يقدّم كل المعلومات الإضافية الجديدة فيما يتعلق بالتشخيص المبكر والأنواع الجينية، أو المداواة، وكلهم موجودون على الساحة العالمية، كما حصلت على أكثر من 14 جائزة في هذا الخصوص".
وبحسب الطبيب المختص، فإنّ "البحوث العلمية على هذا المرض النادر قليلة جداً، لأنها تتطلب تمويلاً كبيراً"، مشيراً إلى "إشكاليّة التغطية الاجتماعية، فالصناديق الاجتماعية تعترف بتغطية مصاريف هذا المرض في مراحل متقدّمة جداً، في حين أن هناك مرضى في بدايات الإصابة من المفترض أن يحظوا بالتغطية".
ويردف قائلاً: "إذا كنا نريد فعلاً مساعدة المرضى يجب أن نخرج الجمعيات من تحت إشراف رئاسة الحكومة، وجعل كل وزارة مشرفة على الجمعيات التي تتبع اختصاصها، على غرار وزارة الصحة التي يجب أن تُعنى هي مباشرة بمثل جمعيتنا، حتى تكون عملية توفير الأدوية والمستلزمات للمرضى أكثر سلاسة".
وتقوم جمعية أطفال القمر، بتوفير العديد من البرامج والخدمات للمرضى المصابين. وتقول عزة البحوري الزغل، رئيسة الجمعية في تونس (منظمة مستقلة)، "جمعيتنا خيرية طبية تأسست سنة 2008، وهي مكونة من أعضاء وأطباء وأولياء المرضى، دورها الأساسي يكمن في توفير الوقاية والحماية من الأشعّة فوق البنفسجية للمصابين، لأنه ليست لدينا حاليّا إمكانات العلاج".
وتتابع: "نوفر لهم مصابيح خاصة دون أشعة فوق بنفسجية، وأشرطة قاتمة لتغليف شبابيك غرفهم المعرضة مباشرة للشمس، وكذلك المراهم الواقية من الشمس والألبسة الخاصة بهم. أهم شيء نقوم به، توعية الأم والطفل بهذا المرض وكيفية الحماية، حتى لا يحصل الضرر، ونحن نقوم بلقاءات بين المرضى وذويهم، لمدة أسبوع أو أكثر، لاتباع نصائح الطبيب، وخلق جو من الألفة بين المرضى".