سوء تقدير

02 ديسمبر 2016
الشعار واضح (فاضل سنّا/ فرانس برس)
+ الخط -
كيف تخفين كدمات العنف عن وجهك بالمكياج؟ للإجابة على ذلك، قامت إحدى القنوات في المغرب بعرض فيديو يظهر فيه للنساء كيف يقمن بذلك "بنجاح". المهم أن التلفزيون قدّم اعتذاراً، وأزال الفيديو عن شبكة الإنترنت، وأوضح في بيانه أنه أساء التقدير.

يستوقفنا في هذه الحادثة التي تزامنت مع اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد النساء عدة جوانب، ولا سيما حول آثاره وحيثيات تعاطي النساء معه وكيف تعاطى التلفزيون بدوره مع القضية ككل.

رفض العنف ضد النساء لا يجب أن يكون "إساءة أو حسن تقدير". هو ببساطة منطقٌ عام. ما نسيء فيه التقدير هو عادةً ما يحمل رأياً أو موقفاً، والذي بدوره يحتمل الصح أو الخطأ. هل يمكن أن يختلف اثنان على أن العنف بحق النساء جريمة؟ بالتأكيد. ثمة نساءً يتطبّعن مع العنف ويعتبرنه أمراً عادياً. وثمة مجتمعات تعتبره من "حقوق الرجل". وثمة حكومات ودول لم تعتبر حماية النساء أمراً يستحق التشريع. المغرب مثال على ذلك. منذ صدور مشروع القانون في عام 2013 وحتى اليوم، لا تزال النساء من دون غطاء قانوني في حال تعرّضن للعنف.
ردة فعلنا التلقائية على الفيديو كانت الاستنكار الحانق، حول كيف يمكن للإعلام أن يكرّس حلقة العنف بالتالي:

1- تشجيع حوادث العنف المنزلي – بصورة غير مباشرة - كونه أوجد طريقة لإخفائه.

2- تطبيع العنف – من دون إحراج - بشكل ساذج أو ممنهج، وكأنه أمر طبيعي ويحدث دائماً.

3- تحميل النساء مسؤولية إخفاء الآثار، متجاوزاً تحميل المسؤولية للرجل مرتكب الجريمة.

لكن بالعودة إلى رمزية ما عُرض على ذلك البرنامج الصباحي حول إخفاء الكدمات، فإن إحصاءات الأمم المتحدة تشير إلى أن نصف النساء المعنّفات لا يعمدن إلى التبليغ عن حوادث العنف المنزلي أو الأسري. يعني ذلك أنهن يلجأن إلى "إخفاء" الكدمات ويحرصن على ألا يخبرن أحداً أنهن ضحايا عنف. الدافع الأبرز للنساء لعدم لجوئهن إلى التبليغ عن حوادث العنف هو عدم إيمانهن بالعدالة القضائية (في البلدان التي شرّعت الحماية القانونية للنساء). أما في تلك البلدان التي لا تزال بلا غطاء قانوني للنساء ضحايا العنف، فالوضع أسوأ بكثير، حيث لا منظومة حمائية لهن (المغرب مثالاً).

إذا كان الإعلام يتحدث بلسان المجتمع أو يعكس قيمه ومواقفه، فإن "إساءة التقدير" بموضوع العنف هي ربما أسوأ من عدم وجود إرادة سياسية لدى الحكومة بتشريع الحماية. أقلّه في الحالة الثانية، نعلم أننا أمام خصم يمكن التأثير فيه، لكن ليس أمام تصرّف عشوائي أبله.

*ناشطة نسوية

المساهمون