باعة الذرة في غزة... يقهرون الفقر والبطالة

08 مايو 2018
يتحدى الغزيون ظروف العيش الصعبة (عبد الحكيم أبورياش)
+ الخط -


يخرج أحمد أبو شملة من بيته مع ساعات الصباح الأولى بهندامٍ مُرتب، فالنظرة الأولى تُوحي بأنه يعمل في إحدى الشركات الخاصة، لكن بعد تتبع خطواته، تجده يركن بسطة صغيرة على أحد مفترقات غزة، يبيع الذرة المسلوقة، ضمن روتين موسمي اعتاد عليه، ويعتبره عملاً ربما يُبعده عن شبحي الفقر والبطالة.

وتشهد شوارع قطاع غزة ومفترقاتها ازدحاماً بالباعة الجائلين، وجُل هدفهم السعي وراء مصدر رزق بسيط قد يؤمن لهم قوت يومهم، في ظل التفشي الواضح في مستويات الفقر والبطالة، وتردي أوضاع أكثر من مليوني مواطن في كل مناحي الحياة داخل القطاع المحاصر إسرائيلياً للعام الثاني عشر على التوالي.

فالعَوز بات سمة الغزّيين في الأشهر الأخيرة، بعدما تردت أوضاعهم خلال عامٍ كامل فرضت فيه السلطة الفلسطينية إجراءات عقابية ضد قطاع غزة، والتي مسّت حوائج الفلسطينيين وسببت شللاً للحركة المعيشية والاقتصادية في غزة وصلت حد انهيار كارثي اجتاح بقعةً مساحتها لا تتجاوز 365 كيلومتراً مربعاً.

يقول أبو شملة لـ"العربي الجديد": "أنا خريج محاسبة، ما في شغل ولا فرص، ما باليد حيلة، شو ممكن أعمل لأجيب مصروفي الخاص على الأقل. الوضع في غزة شبه مشلول، حتى في بيع الذرة الشغل خفيف، يمكن عشان أزمة الرواتب، بس الأكيد أن الوضع الحالي مُتعب لكل شاب عايش في غزة".

وكانت مؤسسات القطاع الخاص الفلسطيني قد هددت في بيان أخير لها، بإعلان العصيان الاقتصادي وإغلاق كافة المعابر ووقف حركة الاستيراد ودخول البضائع إلى غزة والتوقف عن دفع أي أموال، محذرةً من الوضع الحالي، وداعيةً العالم لوضع خطة لإنقاذ غزة من الانهيار الكارثي الذي تعيشه.


وبحسب خبراء اقتصاديين، فإن عام 2017 كان الأسوأ اقتصادياً على غزة، والذي انعكس على أحوال الفلسطينيين مع الربع الأول من العام الجاري، ووصلت نسبة الفقر إلى 60 في المائة، في حين تتلقى نحو 80 في المائة من الأسر الفلسطينية مساعدات إغاثية، كما حرمت إجراءات السلطة السوق الغزّي من نحو ربع مليار دولار سنوياً.

وارتفعت نسبة البطالة في غزة حتى 46.6 في المائة ضمن أعلى نسب البطالة حول العالم، ووصلت نسبتها بين أوساط الشباب إلى 60 في المائة، و85 في المائة بين النساء.


وعند ميناء غزة، غربي المدينة، يقف رائد سويلم يَشوي الذرة، ويُنادي على المارّين: "ذرة مشوية يا ذرة يلا الذرة"، هكذا يحاول جذب المُشترين، لكن يكتفي الكثيرون بمرور عابرٍ أمام بسطته، وهو ما يُفسر ضيق الحال على الفلسطينيين، ويقول سويلم: "بطلع من الصبح لحد الليل والبيع على قد الحال".

ومع ساعات الليل، يجلب صفار الذرة المُعلق على إحدى البسطات عيون من وجدوا في "كورنيش" بحر غزة متنفساً لهم، وهرباً من ضيق الواقع وعتمة البيوت وتصدعها بالأزمات، فالشاب منتصر الأسدودي سمّى بسطته بـ"موفمبيك على قد الحال"، حالماً بعمل بسيط قد يُدر مصروفاً له بدلاً من أن يحلم بـ"فندق فاره".

ويقول الأسدودي لـ"العربي الجديد": "بشتغل حتى ساعات الليل، بوفر مصروفي الخاص على الأقل بدل قعدة البيت بدون شغل وبدون مصاري. بصراحة مش عارف الحياة لوين ممكن توصل في غزة، الوضع كتير سيئ وأحوال الناس بتبكي، بس إلنا الله".

وتزداد هذه الأعمال على طول مناطق قطاع غزة من شماله حتى جنوبه، في ظل الأوضاع الصعبة التي يمر بها الفلسطينيون، أملاً منهم بالعيش وفق الحد الأدنى من متطلبات الحياة للآدميين، والتي تُغيبها الظروف والأزمات التي تعصف بالقطاع منذ 12 عاماً من الانقسام الفلسطيني والحصار الإسرائيلي.

وتشتد حدة الأزمات في غزة مع اقتراب بلوغ كافة مناحي الحياة نقطة الصفر، حتى باتت أقرب إلى "انهيار كامل محتوم"، وهو ما يتوافق مع تحذيرات مؤسسات المجتمع الدولي ومراكز حقوقية، فيما قالت الأمم المتحدة سابقاً إن "استمرار الأوضاع الراهنة في غزة سيجعل القطاع مكاناً غير صالح للعيش بحلول العام 2020".

وتتوالى الانهيارات الاقتصادية والاجتماعية والصحية في غزة، وسط مشهد لا يُبشر بانفراج الأحوال في وقت قريب، تزامن ذلك مع عدم صرف السلطة الفلسطينية رواتب ما يزيد عن 60 ألف موظف خلال الشهر الجاري، وسط موجة من الأخبار التي تتناقل سعي الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى "فرض مزيد من العقوبات ضد غزة".
المساهمون