تخضع الجامعات العراقيّة لسلطة الأحزاب السياسية والمليشيات التي فرضت سيطرتها على مناصبها ومراكز صنع القرار فيها، لتسيّرها وفقاً لأجنداتها المنحرفة والبعيدة عن التوجه العلمي، في حين تحاول وزارة التعليم العالي تلافي ذلك وتدرس خطة لانتشالها من تلك السلطة، في وقت رأى مختصون أن ذلك التوجه "محفوف بالمخاطر".
وأحرجت الأحداث التي رافقت كلمة زعيم مليشيا العصائب في جامعة القادسية، قيس الخزعلي، التي وقعت في العاشر من الشهر الجاري، وما رافقها من أحداث واشتباكات، كشفت عن مدى خضوع الجامعات للجهات السياسية والمليشياوية، لتعلن وزارة التعليم العالي عقب ذلك عزمها على "إعادة النظر بالقيادات الجامعية التي لم تحافظ على استقلال الجامعات".
وقال وزير التعليم، عبدالرزاق العيسى، في بيان صحافي، أمس الجمعة، إنّ "النصر والنجاح هما معنى واحد، ونتيجة واحدة في المنازلة التي تخوضها قواتنا، وجامعاتنا ضدّ قوى الظلام"، وأكد "سنلتزم بالمهمّة العلميّة في المؤسسة الجامعية وتحقيق أهدافها المرسومة التي تتطلّب تعليماً عالي الجودة".
وشدّد على "ضرورة وجود إدارات جامعية ذات كفاءة، وبعيدة عن كل الإسقاطات التي تغذّيها الأجندات ذات الأهداف غير الأكاديميّة"، متعهداً أن "لا تكون الجامعات جزءاً من الحسابات السياسية، والتي لم تحافظ على استقلال الجامعات، والتي جعلت منها على مقربة من محك الاستعراضات الانتخابية والتي تهدّد هوية المؤسسة الأكاديميّة".
وأكد مسؤول في وزارة التعليم، أنّ "الوزير وعقب أحداث جامعة القادسية أحرج من خضوع الجامعات للسيطرة الحزبية الواضحة".
وقال المسؤول لـ "العربي الجديد"، إنّ "الوزير عقد اجتماعاً مع هيئة الرأي في الوزارة، وطالب بوضع خطة لإبعاد الجامعات عن السياسة والتحزّب"، مبيناً أنّ "لجاناً مختصة ستعمل على إعداد تقارير وكشوفات بأسماء رؤساء الجامعات والعمداء ورؤساء الأقسام المنتمين للأحزاب والجهات السياسية، والتي توجّه الجامعات حسب توجهات الأحزاب".
وأوضح، أنّ "الوزير سيدرس خطة لتغيير هؤلاء المسؤولين، وتطهير المؤسسة العلمية من أي توجه لا يمت الى المسيرة العلمية بصلة".
وأثنى الأستاذ في جامعة بغداد، خالد العزاوي، على خطوة الوزير، مؤكداً أنّها "خطوة ستعيد الحياة للجامعات العراقية في حال نجحت، وطبقت بالشكل الصحيح".
وقال العزاوي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الجامعات العراقية اليوم انحرفت عن مسارها العلمي الذي يراد لها، وأنّها مقسّمة بين أحزاب السلطة، وإنّ كل حزب يتحكم بالجامعة التي يسيطر عليها كيفما شاء، الأمر الذي تسبب بانتكاسة بالمستوى العلمي للطلبة عموماً والخريجين الجدد خصوصاً".
وأوضح، أنّ "محاولة انتشال الجامعات من هذه الأحزاب ستكون محفوفة بالمخاطر، وربما لا يستطيع الوزير المضي بها، لأنّه سيخسر منصبه في حال تحرّك بهذا الاتجاه"، مبيناً أنّ "نفوذ الأحزاب والمليشيات متغلغل في كل الوزارات والمؤسسات، ولا يستطيع أحد الوقوف بوجهه، الأمر الذي أفرز واقعاً مأسوياً في كل مفاصل الحياة ومنها الجامعات".
يشار إلى أنّ الوزراء الذين تعاقبوا على إدارة وزارة التعليم العالي، كلّهم من أحزاب السلطة، وجاؤوا وفق مبدأ المحاصصة الحزبية والطائفية، الأمر الذي منحهم فرصة السيطرة على كل مفاصل الجامعات وتعيين مسؤولين ومدراء حزبيين، ما سبب خضوع المؤسسة التعليمية لسلطة الأحزاب وانحرافها عن طريق العلم.