صُرّة بهجة

06 مايو 2015
إنه موسم لمّ الشمل. نترقّبه... (عن الإنترنت)
+ الخط -

تتطاير بذور أشجار الحور وقد حملها زغبها الأبيض الشبيه بنتف القطن، في فضاء رأس العين. إنه شهر نوّار، في بعلبك. تبتسم وهي تدفع بعربة صغيرها، أمامها. "عندما كنا أطفالاً، كانت هذه تبشّرنا باقتراب نهاية العام الدراسي". وتلوّح بيدها، محاولة إبعاد بعضٍ منها. هذه البذور وزغبها اليوم، تثير حساسيّة عينَيها.
تدفع العربة وتتقدّم في أحد شوارع المدينة الضيّقة. اللعب في المرج الأخضر أنهك الصغير الذي لم يبلغ عامه الثاني بعد. في زمن مضى، كثيراً ما ركضَت هي وإخوتها في هذه الفسحة، تماماً كما فعل هو في صبيحة هذا اليوم. لا تذكر إن كان اللعب ينهكها في ذاك الزمن، لكنها لم تنسَ يوماً هذا المرج. غالباً ما يعود إليها في غربتها، أبيض في موسم الثلوج وأخضر في مثل هذه الأيام.
إنه موسم اللوز الأخضر والريباس والقرعون والجنارك، في بعلبك.. لكنه أيضاً موسم لمّ الشمل. مذ تغرّبَت قبل نحو أربع سنوات، لم تفوّته. تشاء الصدف أن تزور الديار في كلّ مرّة، في مثل هذه الأيام.

***

في منزل والدَيها، على الكنبات نفسها التي حفظت كثيراً من حكايانا، نحاول التعويض عما فاتنا. التواصل عن بعد يربكنا، ويعيينا أحياناً. في خلاله، تضيع تفاصيل وأحاسيس وشيء من ذاتنا.
نحاول التعويض، فنحكي. نضحك. تتجهّم وجوهنا. تغرق عيوننا بالدموع. نصمت للحظات، قبل أن يقطع صغيرها بحركة أو هيصة أو دندنة ما ذلك السكون.
هو صُرّة بهجة. يضحك، فيستدرج كلّ من حوله إلى الغبطة.

***

يحمل علبة الكبريت ويركض صوبنا، مطالباً بفتحها. هو يريد التأكّد من أن تلك الدعسوقة التي حُفظت له في داخلها، ما زالت مكانها. "داسوقة" يقول، قبل أن يمدّ ذراعه بجذله المعتاد. بشيء من الرهبة، يراقب تلك الخنفساء الحمراء المنقطة بالأسود وهي تسرع على راحة يده باتجاه معصمه. يشعر بدغدغة، فيبتسم وهو ما زال يلاحق هذه الحشرة الصغيرة بعينَين حذرتَين. وكمن يكابر على نفسه، يضحك. هي ضحكته المحبّبة نفسها، وإن اختلف إيقاعها.

***

إنه موسم لمّ الشمل. نترقّبه، ترقُّبنا - عاماً كاملاً - لموسم اللوز الأخضر والريباس والقرعون والجنارك. هذا ما تمنّه علينا الطبيعة، وهذه حكمتها.
إنه موسم لمّ الشمل، لا بل واحد من مواسم مستنسخة تعود مرّات ومرّات، مع أعزّاء كثر تختلف حكايانا معهم. أعزّاء حملتهم ظروف استثنائيّة، انقلبَت واقعاً مقيماً، إلى بقاع أرض تختلف باختلاف الفرص والأحلام أحياناً.
نحاول التعويض عما فاتنا، قبل وداع جديد. تعلو ضحكة الصغير، فيستدرج كلّ من حوله إلى الغبطة.
دلالات
المساهمون