ترتفع نسبة الاعتقالات بالعراق، وتحديداً في مناطق محررة بشماله وغربه، بسبب تشابه في الأسماء بين مواطنين وآخرين مطلوبين بقضايا إرهابية. ورغم صدور تعليمات لتفادي الوقوع بالمشكلة، فإنّها ما زالت مستمرة.
تشهد مدن عراقيّة محرّرة شمال وغرب البلاد، مثل الموصل والأنبار وصلاح الدين وغيرها، حملات تدقيق وعمليات دهم وتفتيش واسعة، أسفرت عن اعتقال ما لا يقلّ عن 700 مدني، بذريعة تشابه أسمائهم مع أسماء آخرين مطلوبين بقضايا إرهابية أو جنائية. وتكثر في العراق بعض الأسماء، مثل محمد جاسم محمد، وحسين علي حسين وعمر خطاب فاروق، وحسن فلاح وغيرها، بسبب دلالاتها الدينية والتاريخية في المجتمع.
وعلى الرغم من مناشدات قدمتها منظمات مدنية محلية حقوقية وبرلمانيين إلى قوات الأمن لإيقاف حملات الاعتقال بسبب تشابه الأسماء، يؤكد مسؤولون محليون أنها ما زالت متواصلة. ومؤخراً، كشف مصدر أمني عراقي عن بدء حملة أمنية واسعة ومشتركة من الجيش والشرطة المحلية والحشد الشعبي في تلك المدن، للتدقيق في أسماء المواطنين العراقيين، والتحقيق مع الذين يحملون أسماء مشابهة لآخرين مطلوبين للقضاء.
ويشير مصدر لـ"العربي الجديد" إلى أن "العملية جاءت بسبب خروقات أمنية عدة في تلك المدن، وتهدف إلى ملاحقة الخلايا النائمة لتنظيم داعش بحسب معلومات استخباراتية". يضيف أن "الحملة شملت مدن الأنبار وبعض مناطق الموصل وصلاح الدين وديالى وحزام بغداد، وأسفرت عن اعتقال عشرات الشباب والرجال. لكنّ تبيّن تشابه غالبية الأسماء مع آخرين مطلوبين للقضاء بتهم مختلفة، بعضها جنائية".
على الرغم من أنّ تعليمات سابقة لوزارة الداخليّة منعت الاعتقال الفوري، وفرضت وجوب اعتماد الاسم الرباعي واسم الأم في حال تشابه الأسماء، إلا أن قوات الأمن ملأت السجون بأشخاص لمجرّد تشابه الأسماء. ويشير أهالي المدن المحرّرة إلى أن هذه الاعتقالات كانت تعسفية ومبنية على مجرّد تشابه أسماء. واعتقل بسببها عشرات الأبرياء من الشباب الذين لم يفرج عنهم منذ أسابيع عدة. يقول الناشط المدني مؤمن الدليمي، وهو من أهالي الأنبار: "مدينة الفلوجة تشهد منذ نحو ثلاثة أسابيع حملة تدقيق بأسماء المواطنين في شوارع بعض الأحياء السكنية، إضافة إلى مداهمات واعتقالات في أحياء الجولان ونزال والشهداء". ويشرح لـ "العربي الجديد": "المشكلة أن الغالبيّة العظمى من المعتقلين ذهبوا ضحية تشابه أسمائهم مع مطلوبين للأجهزة الأمنية، حتى لو اقتصر التشابه على الاسم الثنائي فقط. ويُعتقل البقيّة بسبب إخباريات كيدية".
ويكشف آخرون عن وجود عمليات مساومة بين بعض الأجهزة الأمنية وذوي المعتقلين للحصول على مبالغ مالية كبيرة في مقابل إطلاق سراحهم. يقول صبحي الجاسم (41 عاماً) من أهالي الفلوجة: "قبل أسبوعين، اعتقل ابني خلال عودته إلى البيت. وتبين أنه اعتقل من قبل مفرزة أمنية في أحد الشوارع بسبب تشابه أسماء". يضيف لـ "العربي الجديد": "نقل ولدي مع عشرات المعتقلين إلى مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار. هناك، بدأت المساومات لإطلاق سراح أبنائنا في مقابل أموال كبيرة لا نملكها، على الرغم من علم الأجهزة الأمنية أنهم أبرياء".
ويُعدّ تشابه الأسماء في العراق إحدى أكبر المشكلات التي تواجه الشباب في البلاد، والتي راح ضحيتها مئات المعتقلين. وما زال معظمهم مغيّبين في سجون الحكومة العراقية منذ سنوات من دون أن توجّه إليهم أية تهم. ويمنع آخرون من السفر منذ سنوات.
إلى ذلك، يقول حقوقيّون إنّ هذه الاعتقالات غير قانونية وغير مبررة، وعلى الحكومة العراقية إعادة النظر في التعامل مع المدن المحررة وملاحقة الخلايا النائمة. يوضح الحقوقي فائق الحديدي أنّ "الاعتقالات شملت الموصل والأنبار وصلاح الدين وحزام بغداد وديالى، وسط تعتيم إعلامي شديد وتكتم حكومي، في وقت يكافح ذوو المعتقلين لمعرفة مصير أبنائهم الذين ترفض الأجهزة الأمنية إطلاق سراحهم، على الرغم من عدم وجود أية أدلة أو تهم ضدهم، باستثناء تشابه الأسماء فقط".
حملة الاعتقالات هذه دفعت عائلات كثيرة إلى نزوح عكسي إلى مدن أخرى أو إلى خارج العراق، لحماية أبنائها من الاعتقال. يقول سعد أبو ماجد (57 عاماً) لـ "العربي الجديد": "الاعتقالات التعسفيّة دفعتنا إلى التفكير مرة أخرى بالنزوح العكسي خشية اعتقال أبنائنا وتغييبهم في السجون، خصوصاً أن اعتقالهم تعقبه عمليات مساومة مالية كبيرة". يضيف لـ "العربي الجديد" أنه "لا يمكن العيش في المدن المحررة في ظل هذا الوضع. والاعتقالات التعسفيّة تحت مسمى الاشتباه يجب أن تتوقف. ففي حال استمرت، ربما نعود إلى المربع الأول من دوامة العنف الذي لم نصدق أننا خرجنا منه".
ويقول مراقبون إنه يصعب الوصول إلى المعتقلين في العراق من قبل الناشطين والحقوقيّين والمنظمات الإنسانيّة للاطلاع على أوضاع اعتقالهم، وسط الحديث عن عمليات تعذيب وانتزاع اعترافات قسرية من المتهمين. ويطالب حقوقيّون الحكومة العراقية بضرورة وضع آلية قانونية جديدة تمنع عمليات الاعتقال بسبب تشابه الأسماء، ورفع الاشتباه من المنافذ الحدودية والمطارات عن الأشخاص الذين لم تثبت بحقهم تهم إرهابية أو جنائية.