رحيل إدوار الخرّاط.. صوت وصل من وراء حيطان عالية

01 ديسمبر 2015
(1926 - 2015)
+ الخط -

عن عمر يقارب الـ 89 عاماً، رحل صبيحة اليوم الروائي المصري إدوار الخرّاط في الإسكندرية. يعدّ الراحل، على المستوى الروائي، لحظة قطيعة فنية سلسة مع الجيل الذي سبقه، حيث دخلت من خلال أعماله مذاقات وتصوّرات جديدة، كما توزّع نشاطه الإبداعي بين الترجمة والنقد والتنظير الأدبي، والذي تجلّى خصوصاً في فكرة "الحساسية الجديدة".

لم تكن سنوات شبابه الأولى توحي بمسيرة أدبية كالتي حقّقها، حيث درس الحقوق وانقطع عنها بسبب وفاة والده عام 1943؛ ما أجبره على العمل في مخازن البحرية البريطانية في الإسكندرية، ثم موظفاً في البنك الأهلي. في هذه السنوات التي شهدت فيها مصر حركة وطنية نشطة ضد الوجود البريطاني، اشترك الخرّاط في العمل السياسي، ما كلّفه سنوات من الاعتقال بداية من 1948.

الخمسينيات، التي شهدت "ثورة يوليو"، ستكون مناخاً ملائماً للتحصيل الثقافي بالنسبة إلى جيل كامل، وجد، إضافة إلى ذلك، دفعاً من الدولة لبلورة تجاوُز ما كان يُنجز على المستويين الأدبي والفني. هنا، ظهر الخرّاط كواحد من الأصوات الواعية بفكرة التجديد في المشهد الثقافي المصري.

في عام 1959، صدرت مجموعته القصصية الأولى "حيطان عالية"، ومن خلالها يمكن التقاط عناصر مشروع الخرّاط بوضوح؛ فزوايا النظر والأضواء باتت مسلّطة بالكامل على داخل الشخصيات الأدبية، فيما لا يظهر من الواقع سوى انعكاسات.

يمكن اعتبار سنوات الثمانينيات والتسعينيات مرحلة النضج الفني في أعمال الكاتب المصري، فرواية "رامة والتنين" التي نشرها عام 1980، تمثّل، من جهة، اكتمالاً وبلورة لعناصر مشروعه الأدبي، ومن أخرى، صياغة جديدة للرواية كشكل بدأ يتكرّس في لغة جاهزة.

كتاب "الحساسية الجديدة"، هو العمل الذي نجد فيه، بشكل مباشر، مشروع الخرّاط، وإن ظهر ذلك بشكل متأخر كونه نشر عام 1993، لكن أفكاره كانت في معظمها قد مُرّرت من خلال المقالات التي كانت ينشرها في المجلات الأدبية أو يضمّنها في مقالاته النقدية، إضافة إلى كونه تطرّق في هذا الكتاب إلى تقييم المسافة التي قطعتها "الحساسية الجديدة" على مستوى الإنجازات السردية.

في هذا العمل، شرّح الخرّاط الذائقة الأدبية فوق طاولة التطوّر الزمني للرواية في مصر، معتبراً وجود حساسية تقليد تلتقي مع السلطة، في مقابل الحساسية الجديدة التي تدعو إلى تحرير الفرد، على الأقل في العمل الفني، من كل ما يُفرض عليه من سلطات. "الحساسية الجديدة" كانت إجابة فنية على العديد من الأسئلة التي أخذت تُحاصر العقول العربية بعد هزيمة 1967.

لم تنغلق هذه الأفكار في إطارها المصري، بل انفتحت على عوالم أفريقيا وآسيا؛ إذ آمن صاحب رواية "الزمن الآخر" بأن المشترك بين شعوب دول ما يسمى بـ"العالم الثالث"، يمكن أن تؤسّس لحركية أدبية ترفد "الحساسية الجديدة".

في هذا السياق، عُرف الخرّاط بإشرافه على مجلة "لوتس" للأدب الأفريقي- الآسيوي. لعل هذا الانفتاح، يفسّر، إلى جانب مكوّنات منجزه الأدبي، أن يكون من أكثر الروائيين العرب وصولاً إلى لغات أخرى.


اقرأ أيضاً: رضوى عاشور.. الكتابة من المنفى

المساهمون