يثير التراكم الموحَّد والمتشابه، للمسلسلات التلفزيونية السورية، العديد من التساؤلات، خصوصاً وقد اتّخذت في العقدين الأخيرين شكل "جائحات" متوالية، وإن كانت بداياتها أشبه بطفرات، أصبحت في ما بعد عبئاً على المشاهد.
هل أضافت شيئاً إلى الفن؟ لا، سنقصِر الحديث حولها من ناحية الكم الذي تهتم به الصحافة، ليبدو الكلام عن "ظاهرة" أمراً معقولاً، تسترعي الاهتمام، فتعطى حقها من التقييم دونما تثبيطها فنياً.
تستوقفنا في هذه الظاهرة، المسلسلات التاريخية، والبيئة الشامية، وانتقاد السلطة ممثلة بأجهزة المخابرات. فالمسلسلات التاريخية جاهرت بالعروبة الجامعة لبلدان المنطقة، والبيئة الشامية أكدت على الوطنية المضادة للاستعمار، أما انتقاد التسلُّط فسخر من العقلية المخابراتية.
بعدما تتالت الثورات والانتفاضات في تونس ومصر وليبيا وسورية واليمن، بدا وكأن صنّاع الدراما أسهموا فيها، فالربيع كان عربياً بامتياز، والمظاهرات الشعبية كانت وطنية، وتطوّرها إلى انتفاضة أو ثورة كان ضدّ أجهزة الطغيان.
المستغرب، أن أبرز من أخمد الربيع هم المثقفون وعلى رأسهم أدباء وفنانون، آثروا اتخاذ مواقف معاكسة لكل ما استثمروا فيه وانتفعوا منه في العقود السابقة. ومثال البيئة الشامية المستهلكة حتى النخاع، والتي من فرط ما استغلت، لم يعد سعيها سوى أن تشبه بعضها بعضاً، مع أن هذه البيئة كانت مسرحاً لضروب الخيال المشوّه عن بطولات تحاكي هوليوود بصورة مخجلة. وكانت كبْوَتها أنّ ما تعرضه لا يمت للتاريخ ولا للحقيقة أو الفن إلا بصلة واهية.
وكان المبرّر الوحيد للإعجاب بها النزعة الوطنية الطاغية عليها، كذلك التاريخية؛ على أمل أن تعكس على أرض الواقع العروبة، لا التنصّل منها. أما الطامة الكبرى، فالمسلسلات التي تعيّشت على انتقاد الأوضاع الداخلية وتسلّط أجهزة المخابرات، ولاقت رواجاً كبيراً إلى حد أنها اعتبرت مقياساً للحرّيات التي يتمتع بها المواطن السوري في التعبير عن الرأي؛ ما جعل المشاهدين يقدّرون جرأة الدراما.
خلال الثورة السورية، كانت المفاجأة، فعلى عكس ما ذهبت إليه الظنون، لم يشبه بعض صناع الدراما رجال أمن النظام أو الشبّيحة، كما ظهروا على الشاشة الصغيرة، وإنما هم رجال مخابرات وشبّيحة فعلاً، وتمثيلهم تعدّى التقمّص لأدوار مرذولة إلى القيام بالأعمال المرذولة نفسها.
بعض المشاهدين أصيبوا بالإحباط، يجهلون أن التمثيل على هذه الشاكلة ليس أكثر من أعمال عضليّة، أحدها عضلات الوجه، والبطل التلفزيوني قد لا يكون بطلاً في الواقع، والمظلوم على الشاشة، قد يكون واشياً أو مخابراتياً، ولا يقل تشبيحاً عن الشبّيح، ولا إجراماً عن المجرم.
يستمد الفن مصداقيته ومكانته من سعيه إلى كشف الحقيقة والتأكيد على العدالة. مسؤولية الفن بلا حدود، وليست مجرد عمل فقط، الفن مصدر إلهام للبشر، وأسوأ ما يتعرّض إليه أن يكون من يصنعونه ضد ما يدعون إليه، مع أنهم يتعيّشون عليه، ويكسبون منه المال والشهرة. الخلل ليس في الفن، وإنما في الضمائر.
اقرأ أيضاً: إذا كان لا بد من الحياة