"صورتنا": محاولة استعادة المبادرة البصرية

08 مارس 2020
من المعرض
+ الخط -

في 15 يناير/كانون الثاني الماضي، افتُتح فضاء "البرج الكبير" في الرباط كأول مؤسّسة مخصّصة بالكامل للصورة الفوتوغرافية في المغرب، ولعلّ أوّل معرض يُقام في المتحف الجديد يمثّل أفضل تجسيد لأهدافه وتصوراته على المدى البعيد.

يحمل المعرض الافتتاحي عنوان "صورتنا"، ويتواصل حتى 15 مارس/آذار الجاري، ويقدّم مجموعة من الصور التقطها فوتوغرافيون مغاربة، معظمهم من الشباب، لأماكن وأشخاص وموضوعات متنوعة من المغرب، وقد أشرف على جمع الصور وتنسيقها وإخراجها للمعرض المصوّر المغربي ياسين العلوي إسماعيلي المعروف بتوقيع Yoriyas. يقدّم المعرض باختصار صورة للمغرب عن نفسه.

لم يجرِ تعليق الصور في أُطر كما جرت العادة في المعارض الفوتوغرافية، بل صُمّمت في شكل معلّقات كبيرة ثلاثية الأبعاد بعيدة عن الجدران وفي الهواء الطلق، وبذلك يشعر الزائر بأنه يتجوّل بين عدد من المحطات ليلج مع كل صورة في عالم من عوالم المغرب، مراوحاً بين ما هو موغل في التراث وما يمثّل الحداثة بمختلف مستوياتها، حيث نجد صوراً تتناول الحياة اليومية وأخرى تهتم بالمعمار أو بالأعمال الفنية أو بالطبيعة.

كثيرة هي الصور الشهيرة عالمياً والتي تتحدّث عن المغرب، ولكنها في الغالب صور سياحية تختصر مدناً أو مناطق في لقطة، إذ تكاد مراكش تختفي خلف صورة فوقية لساحة جامع الفنا، أما الدار البيضاء فهي مختصرة في صورة كورنيشها الذي يفضي إلى مسجد الحسن الثاني، وكذلك الحال مع مدن مثل مكناس وفاس والصويرة وأغادير وطنجة.

مصدر هذه الصور هي العين الأجنبية التي لا تلتقط إلا الغريب بالنسبة إليها ثم تحصره في غرائبيّته تلك، غير أنّ كل مدينة من هذه المدن المغربية تُمثّل عوالم لو دخلناها سنجدها مختلفة تماماً عن الصور الموظّبة التي صنعها الفوتوغرافي الأجنبي، ومن هنا نفهم منطق اشتغال معرض "صورتنا"؛ حيث يفتح المجال أمام الفوتوغرافي المغربي كي يبني سردية أكثر دقة وانتماء من تلك التي فرضها التكريس السياحي.

على مستوى آخر، يُضاف "المتحف الوطني للفوتوغرافيا" إلى شبكة المتاحف المغربية التي يمكن اعتبارها من بين أفضل ما هو متوفّر عربياً، وهذا المتحف بالذات يمثّل معطى جديداً باعتبار أنه على عكس معظم المتاحف الأخرى لا يستند إلى التراث كمادة جذب بل بالعكس؛ حيث يعتمد على إحدى أدوات الحداثة ليوظّفها بعد ذلك في اتجاهات مختلفة.

مثل المغرب، فإن بلداناً كمصر وتونس ولبنان في حاجة إلى بناء صورة جديدة حولها، فهي الأخرى قد جرى بناء سردية عالمية حولها لم تعد تشبهها إلى حد كبير، ناهيك عن بلدان أخرى مثل العراق وسورية واليمن وليبيا تكرّست حولها صور سلبية متعلّقة بالحروب والدمار، وعلى الصورة الفوتوغرافية أن تجتهد في بناء رؤية جديدة.

المساهمون