الفقر يحيي "العنقاريب" و"الزير" و"الكارو" في السودان

18 مايو 2015
الفقر في السودان يدفع السكان نحو البدائية(مصطفى أوزر/فرانس برس)
+ الخط -
بعدما فقدت زوجها في الحرب، نزحت عالية، السودانية الثلاثينية، من إقليم دارفور الذي يشهد حرباً أهلية منذ أكثر من اثني عشر عاماً، إلى العاصمة الخرطوم مع أبنائها الثلاثة. وقد دفعتها ظروفها إلى عيش حياة بدائية في منزل صغير شيّد من أعواد الأشجار وأكياس الخيش في إحدى المزارع.

ماء وملح وطحين
تفتقر عالية في منزلها ذاك لأبسط وسائل الحياة الحديثة، فلا ثلاجة ولا فرن غاز ولا مكواة على الكهرباء ولا مكيفات، ولا حتى أوانِي حديثة. تشرح لـ "العربي الجديد" أنها تعمل كعاملة نظافة في إحدى المؤسسات الحكومية، لقاء 500 جنيه، بالكاد تكفي لأسبوع. كما "أطهو لأطفالي على الحطب الذي آتي به معي من مسافات بعيدة، حاملة إياه على رأسي. أشعل به النار وأخبز العصيدة (ماء وملح وطحين)، كون المال لا يكفي لشراء الفحم".

الأوضاع الاقتصادية السيئة التي عانى منها السودان دفعت سكان بيوت سودانية كثيرة لاستخدام مكواة الفحم لكي الملابس، بدلاَ من مكواة الكهرباء التي يراوح سعرها بين 250 جنيهاً و300 جنيه في المتوسط. هذا فضلاً عن استخدام "الزير" (إناء من الفخار)، بديلاَ من الثلاجة التي يصعب على بعضهم شراؤها، بينما يعتمد آخرون في طعامهم على الخبز الذي يصنّع في المنازل عبر أفران صنعت يدوياً من الطين.

كذلك، تعتمد شريحة واسعة على الوسائل التقليدية بشكل أساسي في الزراعة والرعي، فنادراً ما تجد في المشاريع الزراعية الصغيرة، بخاصة في الريف، وسائل الزراعة الحديثة كالجرارات والحصادات، فالمزارع البسيط هناك يعتمد على الأبقار في حراثة الأرض وعلى عائلته الصغيرة في الحصاد.

يقول المزارع نور عبد المطلب لـ "العربي الجديد"، أنه يملك مساحة أرض صغيرة ورثها عن والده، ويقوم بزراعتها للاسترزاق منها، موضحاً أنه لا يملك المال الكافي لاستخدام الآلات الحديثة، فيقوم بعمله بشكل تقليدي، "كما كان يفعل آباؤنا وأجدادنا". ويضيف "صحيح أنها متعبة، ونقضي طيلة النهار تحت لسعات الشمس لكن لا خيار أمامنا".

ومع أزمة الغاز الأخيرة التي ضربت أجزاء واسعة من البلاد، عادت للمنازل مناقل الفحم (الكانون) وهي آلة "مصنوعة من رقائق الحديد، يطهى فيها الطبيخ". كما دفع غلاء الأسعار البعض إلى التخلي عن شراء الخبز الذي وصل حد "ثلاث عيشات (أرغفة) بجنيه"، هذا فضلاً عن صعوبة حصول فئة كبيرة من المواطنين على ثلاجة ومكيّف هواء، ما يضطرها إلى رش المنازل بالمياه أو إنشاء "غرف من القش" ووضع العنقاريب عليها (أسرّة بدائية). ولا يقتصر ذلك على أدوات المعيشة المنزلية، إذ لا تزال مناطق واسعة في السودان تعتمد على "الكارو"، (وهو حمار يجرّ بعربة مصنوعة يدوياً)، وذلك كوسيلة مواصلات، فضلاً عن المركبات الصغيرة.

حياة بدائية
ويرى المحلل الاقتصادي كمال محمد أن أسباب العودة إلى الوسائل البدائية والتقليدية عادة ما ترجع إلى الظروف الاقتصادية والاجتماعية، فضلاً عن ثقافة المجتمع.

ويعتبر الخبير الاقتصادي قرشي عوض أن ندرة الطاقة الحديثة كالكهرباء، تصعّب التخلي عن الوسائل التقليدية، خصوصاً أن القطاع الريفي في السودان يشكل 70% من المجتمع السوداني، مقابل 30% للحضر. وبحسب عوض هناك مناطق في السودان يصل سعر قارورة الغاز فيها إلى 140جنيهاً، ما يوازي تقريباً راتباً كاملاً. ويشدد على أن الانتقال للحداثة لا يمكن ان يتم ما لم تتم هيكلة كاملة للاقتصاد السوداني ربطاً بالتنمية الاجتماعية.

أمّا الأستاذ الجامعي عثمان البدري فيقول لـ "العربي الجديد"، إن الأدوات البدائية تتركز حالياً في المناطق النائية، ووجودها في المدن، بشكل أو بآخر، يعود إلى تمسك البعض بها من باب التقاليد. ويوضح أن الوسائل البدائية تنتشر خصوصاً في الزراعة، وفي المساحات الصغيرة والمملوكة لأفراد أو لمجموعات قروية، تحول الأوضاع الاقتصادية دون اقتنائها للوسائل الحديثة.

إقرأ أيضا: النظام المصري "يدلّع" أباطرة الحديد ويثبّت احتكاراتهم
المساهمون