بوزيان مهماه: الطاقة الشمسية الجزائرية ثروة أهم من الذهب

19 يوليو 2016
بوزيان مهماه يتحدث عن الموارد الجزائرية (العربي الجديد)
+ الخط -
يؤكد الخبير الجزائري في المسائل الطاقوية والشؤون الاقتصادية الدكتور بوزيان مهماه، أن الجزائر تمتلك احتياطات ضخمة من الغاز الصخري، وكذا كميات واعدة من النفط الصخري، ويشدد على أهمية الطاقة الشمسية لتوليد الطاقة، معتبراً أنها ثروة أهم من الذهب...
وهنا نص المقابلة:
*حسب تقديرات الوكالة الدولية للطاقة فإن الجزائر تحتل المرتبة الرابعة عالمياً باحتياطي الغاز الصخري، هل يمكن القول إن هذا الاحتياطي يضمن الأمن الطاقوي للبلاد؟
تعود تقديرات الوكالة الدولية للطاقة للسداسي الأول من سنة 2013، لكن بعد هذا التاريخ حدث تطور مهم في إعادة مراجعة المكامن غير التقليدية من الطاقة الأحفورية على المستوى العالمي، حيث أصبحت الجزائر تحوز على المرتبة الثالثة بـ 20 مليار متر مكعب من احتياطي الغاز الصخري (الميثان)،
إذ تأتي بعد كل من الصين (31,6 مليار متر مكعب) والأرجنتين (22،7 مليار متر مكعب) وتتقدم على الولايات المتحدة الأميركية (17،6 مليار متر مكعب)، مع أن التقديرات تشير إلى أن المخزون الجزائري يتجاوز الـ 27 مليار متر مكعب. وحتى يكون الحديث عن أهمية هذه الاحتياطات في ضمان الأمن الطاقوي للبلاد، يكفي أن نذكّر بالاحتياطات التقليدية من الغاز الطبيعي، إذا يأتي العملاق الإيراني في المرتبة الأولى بمخزون يقدر بـ 34 مليار متر مكعب، ثم روسيا بـ 32,6 مليار متر مكعب، ثم قطر بـ 24,5 مليار متر مكعب. وهذا الثلاثي العالمي يحوز على أكثر من 56٪ من الاحتياطي العالمي في مرحلة توصف بالعهد الذهبي للغاز الطبيعي، مع التوجه مستقبلاً ليصبح الغاز الطبيعي مصدر الطاقة الأول للبشرية.

*سعت الحكومة السنة الماضية لاستكشاف الغاز الصخري بولاية عين صالح، ما خلف موجة احتجاجات شعبية كبيرة بسبب الآثار البيئية، لكن الحكومة لم تتراجع، لماذا؟
هذه العملية ليست تشغيلية للاستغلال، ولكنها عملية تنقيب واستكشاف بغية الوصول إلى تقييم أكثر دقة لإمكانات البلاد في هذا المجال. وقد حدّدت المؤسسة الوطنية سوناطراك أربع آبار للحفر الأفقي، جرى إنجاز ثلاث آبار منها باستخدام تقنيات مختلفة من التكسير والتحفيز. وهذه الآبار الثلاث أنجزت بالجهد الوطني الخاص والخالص، وقد نجحت سوناطراك في رفع هذا التحدي وتحقيق نتائج إيجابية جداً برأسمالها الخاص، حيث يضاهي إنتاج هذه الآبار أفضل الآبار المنجزة في الولايات المتحدة الأميركية.
لكنني الآن أمام هذه الحصيلة الممتازة أتأسف على وقف التجربة عند الآبار الثلاث وعدم استكمال المخطط النموذجي وتوسيع نطاق الاستكشاف، هذا التراجع المؤقت أعتبره هدراً لأرصدة القوة لبلدنا.

*ولكن، ألا تعتقد أنه يوجد مبررات واقعية للمخاوف البيئية التي تؤرق سكان هذه المنطقة من عملية استخراج الغاز الصخري؟
فعلاً الحراك كان قوياً ومتفجراً ومتطرفاً أحياناً، لكنني كنت على يقين بأنه إيجابي يصب في تقوية أرصدة القوة لبلدنا، لأن الحراك كان يعبر عن حيوية مجتمعنا، وقد سمح بمباشرة نقاش عميق وثري حول قضايا أساسية لا تتعلق فقط بالغاز الصخري، إنما امتدت إلى السؤال عن العدالة والإنصاف في التنمية، إلى صدقية المعلومة المتداولة. وأيضاً ساهم هذا الحراك في فتح النقاش حول الأدوار الاجتماعية للعلماء والباحثين والعلميين، كما عرى هذا الحراك الكثير المواقع التي كان يفترض أن تكون قلاعاً ومحاضن يلوذ إليها المجتمع حين يسود الشك وتختلط الحقائق بالأساطير.
لقد كانت الطروحات البيئية فيها مغالاة وتضخيم للأمور. ويكفي أن أذكر أنه في أوج ثورة الاحتجاجات ضد الغاز الصخري والترويج بأنه خطر على المياه العذبة الباطنية في صحرائنا الكبرى، برز مسعى خطير يهدف إلى وضع الخزان المائي الكبير الذي تتقاسمه كل من الجزائر وتونس وليبيا تحت الحماية الأممية باعتباره ثروة إنسانية كأكبر احتياطي عالمي من الماء العذب. وحين برز التوجه نبهت إليه في خضم تلك الاحتجاجات، كونه يستهدف شلّ قدرات الشعوب تمهيداً للاستيلاء على خيراتها من جديد تحت شعار جذاب ألا وهو حماية البيئة.
*هل تلمح إلى وجود تدخلات من خارج الجزائر ساهمت في تأجيج الاحتجاجات؟
فرنسا، وهي القوة النووية، أصبحت تنظر بقلق بالغ إلى الغاز الصخري بمحاذاتها وما يمكن أن يمد به الجزائر من قوة طاقوية إضافية وأن يعزز دورها الطاقوي العالمي.
وفي المقابل قد يسهم في المزيد من الإضعاف لمكانة الطاقة النووية في المشهد الطاقوي المستقبلي. ففرنسا التي تسيطر على مناجم اليورانيوم بالنيجر، وتسعى لتثمين أعمال باحثيها ومستثمريها وصناعييها وشركاتها العاملة في مجال تطوير تكنولوجيات الطاقة النووية من خلال إيجاد أسواق جديدة لمنتجاتها النووية، تجد نفسها فجأة أمام إمكانية استغلال لمكامن ضخمة من طاقة جديدة على أبوابها في الضفة الجنوبية بالأراضي الجزائرية.

*إضافة إلى الغاز الصخري، ما هو حجم احتياطي النفط الصخري في الجزائر؟
التقديرات الوطنية الحالية للنفط السجيل "النفط الصخري" أنه في حدود 720 مليون برميل، الشيء الذي يضع الجزائر في المرتبة العاشرة على الصعيد العالمي. ولكن تجدر الإشارة إلى أن هذه التقديرات مبنية على الدراسات التي تغطي أجزاء فقط من المناطق المنجمية المعروفة في بلادنا. وفي هذا الوقت بالذات لا توجد دراسة حقيقية تحدد فعلياً القدرات الإجمالية للمكامن الصخرية والباطنية من النفط الزيتي، بالرغم من أن المجلس العالمي للطاقة نشر تقديرات للاحتياطي الجزائري في حدود ستة مليارات برميل. ونحن نعتبر أنه من الضروري بل يجب على سوناطراك إطلاق هذا النوع من الدراسة بغية توفير فهم أفضل لاحتياطيات البلاد في هذا المجال.


*تزخر الجزائر بطاقات متجددة كبيرة على غرار الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، لماذا في رأيكم لم يتم استغلال هذه الطاقات إلى حد الآن بالشكل المطلوب؟
بالنسبة لي النقاش في هذا الموضوع ينبغي أن يتجاوز الإطار التقليدي للحديث عن فضائل الطاقات المتجددة، وعن الفرص الضائعة، والإمكانات المهدورة في هذا المضمار، وعن مكامن الثروة في هذا المجال والتي تفوق ثروة الذهب ولم تستغل. إن النقاش الحقيقي في هذا الموضوع ينبغي أن ينصب حول منهجية تطوير الإطار الاقتصادي والاجتماعي للطاقة المتجددة، مع تحديد الأهداف الاستراتيجية والمرحلية لإحلالها في الفضاء الوطني. في قناعتي الراسخة ينبغي أن يتجاوز مطلب استغلال هذه الطاقات المتجددة في الفضاء الوطني إطار مطلب الرفاهية الافتراضية إلى صياغة مشروع حقيقي للانتقال الطاقوي السلس.

*هل بإمكان الجزائر تخطي عقدة تبعية اقتصادها الشبه مطلقة للمحروقات؟
لقد أصبح من المسلمات إذا قلنا بأن مسعى "فك الارتباط بالمحروقات" يعدّ خياراً محتوماً بالنسبة للاقتصاد الجزائري. كما أنه بالنظر للطبيعة المتقلبة التي أصبحت تطبع أسعار النفط وما يترتب عن ذلك من ضغوط على الموارد المالية للبلاد، تحتاج الجزائر إلى تحديد وتطوير القطاعات التي تتمتع فيها بأفضلية تنافسية مميزة. إذ ينبغي إنضاج نموذج جديد لنمو الاقتصاد الوطني، يوفر البيئة المواتية لإنجاح المبادرات الاقتصادية الخلّاقة للثروة ويدعم الاستثمارات المنتجة التي من شأنها الرفع من القدرات التصديرية الجزائرية خارج المحروقات، وكذا دعم النظام المصرفي حتى يرتقي إلى مستوى تطوير منتجات مالية جديدة.
المساهمون