عشية استقالة الصيد: العثور الصعب على الخلف التونسي المطلوب

عشية استقالة الصيد: العثور الصعب على الخلف التونسي المطلوب

08 يونيو 2016
الصيد ليس رجل المرحلة بالنسبة للسبسي والغنوشي(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
لا يتوقع أن تعمّر حكومة الحبيب الصيد في تونس طويلاً، كما توقع أغلب المتابعين، مع ذهاب جميع المؤشرات إلى التأكيد أن الرجل سيتقدم باستقالته قريباً جداً، لتولد حكومة جديدة تحت عنوان "حكومة وحدة وطنية" لا تزال معالمها ورموزها غير واضحة تماماً. ربما لا تتجاوز حكومة الصيد السنة ونصف السنة من العمر، أو أن تصمد أمام رياح الساحة التونسية ومتقلباتها. ويبدو أن الصيد قد استنفد كل ذخيرة الدعم من أبرز مسانديه؛ الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، وزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، اللذين شعرا بدخول مرحلة جديدة وبحتمية تسريع وتيرة العمل الحكومي والإصلاحات، بسبب الجرد السلبي للواقع الوطني على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي بالخصوص. ولذلك جاء بيان الوضع العام في البلاد الذي قدّمه السبسي قبل أيام تمهيداً لإعلان الحكومة الجديدة، قاتماً، ومقرّاً بالفشل، ومنذراً بخطورة النتائج الممكنة وانعكاساتها على الخزينة التونسية.


في تقييمه لمردود الصيد أمام صعوبات موضوعية وموروث ثقيل، اعتبر السبسي أنه كان متوسطاً وأنه كان بالإمكان أكثر مما كان، ما مثّل إشارة واضحة إلى أن السبسي يرغب في وجود شخصية جديدة على رأس الحكومة. وجاءت إشارة السبسي على الرغم من تأكيده، بأسلوب دبلوماسي منمق، أنّ الصيد قد يكلّف برئاسة الحكومة الجديدة أيضاً.

وبالأسلوب الدبلوماسي نفسه، أكد الغنوشي، يوم الأحد الماضي، أنّ الصيد يحظى بتقدير كبير من الحركة وأنها ستظل تدعمه "ما دام يتمتع بثقة رئيس الجمهورية وبثقة الحزب الذي رشحه بعد انتخابات 2014 وهو حزب حركة نداء تونس". يبدو هذا التصريح جديداً على الغنوشي، الذي عبّر سابقاً عن دعمه للصيد من دون شروط، قبل أن يجعل الدعم هذه المرة مقترناً بدعم السبسي و"نداء تونس"، فيما يدرك جيداً أن هذا الدعم انتهى. لكن الغنوشي وجه أيضاً انتقادات واضحة للحكومة، عندما شدد على ضرورة الإقدام على حزمة إصلاحات، وصفها بـ"الموجعة" للخروج من الأزمة الاقتصادية. كما اعتبر أنه "لم يتم التعامل بالجدية والجرأة اللازمتين مع كل من مشروع قانون المصالحة الاقتصادية والمالية المقدم من رئاسة الجمهورية، ومبادرة المصالحة الشاملة المقدمة من النهضة".

ولم تكن مآخذ "الشيخين" على الصيد جديدة أو مفاجئة، إذ عبرا عن ذلك مراراً في السرّ والعلن. وكانت مسألة قدرة الصيد على التواصل والإقناع من أبرز المآخذ عليه. فكل من الغنوشي والسبسي متكلم بارع، وخطيب مشهود له بالفصاحة والقدرة على الإقناع، وحل مشاكل عديدة في حزبيهما أو في الساحة الوطنية، بإدارة التواصل الناجعة. وقد أشار السبسي إلى هذا المأخذ بوضوح في حواره التلفزيوني قبل أيام. كما كانت هذه المسألة محل انتقاد حتى من بعض المقربين من الصيد نفسه، لأن الحالة التونسية حالة سياسية بامتياز، تستوجب معالجة سياسية أكثر منها إدارية، وهو ما يفتقده رئيس الوزراء المستقيل بسبب مساره التقني البحت.

في المقابل، فإن السبسي والغنوشي شهدا للصيد بنظافة اليد والالتزام والنجاح في الحفاظ على توازن هشّ للغاية بين حزبيهما بالخصوص، إثر انتخابات ساخنة ولّدت مناخاً من عدم الثقة. فقد نجح الرجل في إتاحة الفرصة لهما، للتقارب واكتشاف بعضهما، ونزع ثوب الخوف المتبادل تدريجياً. ولكن الصيد على الرغم من كل هذه الميزات ومن نجاحه الأمني الواضح، وتأسيس مرحلة بناء المؤسسات (تأسيس فكرة الحكومة التي تحترم الفصل بين السلطات) واحترام الدستور، فقد فشل في مسائل على قدر كبير من الأهمية، بسبب الجرأة المفقودة وغياب القدرة على استنباط حلول تخفف من حالة الاحتقان الشاملة. وقد فشل خصوصاً في فرض هيبة الدولة التي شكلت العمود الفقري لحملة السبسي الانتخابية.

تبين للسبسي أولاً وللغنوشي ثانياً، أن الصيد ليس رجل المرحلة الجديدة، وأنه حان الوقت للتغيير، خصوصاً أمام المتغيرات المهمة التي ستقبل عليها تونس من جهة، وأمام متغيرات الساحة السياسية والتوازنات الحزبية التي ألقت بحركة النهضة إلى واجهة الصدارة في البرلمان، وبعد مؤتمرها الناجح، وعلى أبواب الانتخابات المحلية، المهمة جداً تونسياً، من جهة ثانية. وهو ما سيعيد أجواء المنافسة بين الحزبين ومع بقية مكونات الساحة السياسية التونسية.

ويبقى الآن أن يبحث السبسي والغنوشي، للسنوات الثلاث المتبقية، عن شخصية بمواصفات ليست باليسر الذي قد يتوقعه البعض، إذ ينبغي أن تحمل كل مواصفات الصيد على أن يضاف إليها جرعة الجرأة والابتكار، والقدرة على التواصل مع مكونات المشهد السياسي التونسي ومع التونسيين. ويُضاف إلى ذلك أن تكون قادرة على نيل ثقة الفاعلين الدوليين في الملف التونسي، دولاً ومؤسسات، وثقة المنظمتين التونسيتين المتخاصمتين، الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة (منظمة رجال الأعمال)، وهي مهمة كما يتضح، على قدر كبير من الصعوبة.


اقــرأ أيضاً

المساهمون