غزة وحيدةً تواجه وحشية الاحتلال

16 مايو 2018
أكثر من 60 شهيداً قتلهم الاحتلال في غزة(عبدالحكيم أبورياش)
+ الخط -
لم تجلب مشاهد المجزرة التي نفذها قناصة إسرائيليون محترفون واجهوا فلسطينيين عزلاً على طول حدود قطاع غزة الشرقية والتي بثت على الهواء طوال يوم الاثنين، وأدّت خلال ساعات معدودة إلى سقوط أكثر من ستين شهيداً وآلاف الجرحى، منهم من لا يزال في العناية المركزة بين الحياة والموت، أي ردة فعل عربية وإسلامية ودولية على مستوى جرائم القتل التي ارتكبت.

ونامت غزة بعد ليلة دامية وهي تدرك أنها تواجه الاحتلال بمفردها وأن دماء الشهداء لم تحرك الصامتين على ذبحها البطيء الذي يجري منذ 12 عاماً بغطاء عربي. أما في الصباح فلم يتغير المشهد.



اكتست شوارع غزة بالحزن، إذ شهد القطاع حداداً عاما شل كل مؤسساتها باستثناء وزارة الصحة، التي ظلت على درجة الاستنفار والمتابعة الأعلى، نتيجة آلاف المصابين المتواجدين في مشافيها، والذين يراجعون يومياً لتلقي العلاج نتيجة نقص الأسرة فيها.

في كل شارع في غزة نصبت خيام العزاء، والدموع سابقت المتظاهرين في تشييع جثامين الشهداء، ودعوات الانتقام تعلو من الفلسطينيين. لكن المقاومة اليوم أمام خيار صعب، ربما هو الأصعب منذ نشأتها إذ إنّ لا ظهير عربيا وإقليميا معها، وهي في حالة لا تحسد عليها.

أما مسيرات العودة السلمية على الحدود، فباتت هي الأخرى على مفترق طرق، فالقتل الإسرائيلي للفلسطينيين لا يمكن أنّ يستمر بهذه الطريقة، وقد راح ضحية الحراك السلمي أكثر من مائة وعشرة شهداء وآلاف الجرحى في ظل واقع إقليمي لم يتحرك جدياً لوقف القتل، وإنهاء المعاناة المفروضة على مليوني فلسطيني.

وتؤكد مصادر "العربي الجديد"، أنّ العروض التي نُقلت من مصر وغيرها في الأيام الماضية، مقابل وقف مسيرات العودة على الحدود لا تلبي الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية، وهي رفع الحصار وتسهيل حركة الفلسطينيين، ووقف أي اعتداء إسرائيلي.

لكن الأهم، هو رسائل إسرائيل التي نقلت في الساعات الأخيرة، وتهديدها بإحالة غزة إلى "العصر القديم" إذا ما استمرت التظاهرات على الحدود مع التلويح باغتيال قادة المقاومة الفلسطينية خصوصاً قيادات الصف الأول في حركة "حماس"، وفق المصادر ذاتها.

ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة بغزة حسام الدجني إن ما جرى في قطاع غزة كان يجب أن يشكل دافعاً لدى كافة جماهير الأمة العربية والإسلامية، إلا أنه من الواضح أن دماء الشعب الفلسطيني لم تعد كافية لتحريك هذه الجماهير.

ويعتبر الدجني في حديث لـ "العربي الجديد" أن ما جرى من غياب ردود الفعل الجماهيرية يثبت نجاح الإدارة الأميركية والاحتلال الإسرائيلي في إشغالها بقضايا داخلية وحالة الصراع والحروب المشتعلة في اليمن وليبيا وسورية، فضلاً عن حصار قطر الأخير من أجل أن تنفرد إسرائيل بالقضية الفلسطينية وتعمل على تصفيتها.

ويؤكد أستاذ العلوم السياسية أن إسرائيل تمارس إرهاب الدولة وسط حماية وتبرير أميركي دائم كان آخره فرض فيتو (حق النقض) على مشروع قرار كويتي لإدانة المجازر الإسرائيلية بغزة والمطالبة بإجراء تحقيق دولي، الأمر الذي يتطلب من الدول العربية فرض قواعد اشتباك جديدة، إلا أن ذلك لا يزال بعيد المنال.

ويرى أن ذلك يتطلب من الفلسطينيين أن يعملوا على خلع أشواكهم بأيديهم في ظل غياب التضامن العربي الشعبي والرسمي، لا سيما بعدما أقدمت الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترامب على نقل سفارتها من مدينة تل أبيب إلى القدس المحتلة.

وبحسب الدجني، فإن الفعل الشعبي وما جرى من مسيرات يوضح أنها حدث مؤثر وهو ما يتضح عبر قيام الاحتلال بإطلاق النيران بشكل مكثف، لكن كان ذلك يتطلب أن يتجاوز حدود غزة وكان ينبغي أن يكون هناك حراك في الضفة والقدس والداخل المحتل ودول الطوق.

وعن إمكانية تطور الأمور لمواجهة عسكرية محدودة أو شاملة، يوضح أستاذ العلوم السياسية أن ذلك يخضع لتقديرات الموقف العسكري للمقاومة الفلسطينية، إلا أنه مستبعد حالياً لا سيما في ظل رغبة الأطراف السياسية في استمرار الحراك الجماهيري السلمي وعدم استطاعة القطاع تحمل ضربة عسكرية جديدة بعد حرب عام 2014.

ويلفت إلى أن الاحتلال هو الآخر غير معني بأي مواجهة جديدة تعمل على إحباط مشروعه الاستراتيجي المتمثل في تطبيع العلاقات بشكل طبيعي ومنفتح مع دول عربية، وهو ما قد يعني أن أي مواجهة جديدة قد تساهم في تأجيل هذا المشروع وإحباطه.

لكن الكاتب والمحلل السياسي، ثابت العمور، يذهب إلى غير ما ذهب إليه الدجني، ويؤكد لـ"العربي الجديد"، أنّ غزة الآن تحيا على وقع الابتزاز من قبل السلطة والعرب وإسرائيل أيضاً، لافتاً إلى أن استمرار هذا الوضع سيفضي الى انفجار غزة في وجه الجميع، وخيار الحرب غير مستبعد إطلاقاً بل بات مطلباً شعبياً.

وباتت الفصائل الفلسطينية وأجنحتها العسكرية محرجة من مطالبات الناس بالرد والثأر ونشوب حرب ستفضي لقلق كبير في المنطقة وستجد الشعوب العربية المقهورة في الاقتراب من غزة والانتفاض لأجلها مدخلا لتقول كلمتها هي أيضاً وتعلن غضبها على أنظمتها، وفق العمور.

ويوضح العمور أنّ المقاومة تدرك أن الظهير العربي لن يكون معها ولن يمنع إسرائيل من ارتكاب الجرائم بحق الفلسطينيين، وتعلم كذلك أنّ الجبهة الداخلية في غزة غير جاهزة، والذهاب لحرب شاملة سيكون مكلفا جداً، لكنها اليوم باتت حاضرة في كل شيء، وهي التي تمنع إسرائيل من اجتياح القطاع بالكامل وتمنع خروج دباباته لمخيمات العودة على الحدود.

ويراهن المحلل السياسي الفلسطيني على المتغير العربي، إذ يشير إلى أن الفلسطيني لم يكن يوما وحده مثلما هو الآن، ولكن المعادلة لن تستمر على هذا الحال إطلاقاً.