بوصلة التصعيد العسكري في اليمن مجدداً نحو الساحل الغربي، مع اتهام التحالف العربي لجماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، بمهاجمة ناقلة نفط سعودية في المياه الدولية في البحر الأحمر، الثلاثاء الماضي، عقب التصعيد الصاروخي الذي دشنته الجماعة، منذ ما يقرب من أسبوعين باتجاه السعودية، وذلك بالتزامن مع التصعيد المستمر في الجزء الشمالي من الساحل الغربي بضربات جوية يومية على وقع أنباء عن استعدادات لعملية عسكرية.
وسادت حالة من الترقب في اليمن، أمس الأربعاء، بعد يوم من اتهام التحالف للحوثيين باستهداف ناقلة النفط السعودية. وتحفظت مصادر قريبة من الحوثيين عن التعليق، لـ"العربي الجديد"، بتأكيد مسؤولية الجماعة عن استهداف الناقلة من عدمه، بعد أن أظهر عدم إعلان الجماعة رسمياً عن تبني العملية، كما تفعل بالعادة، تفسيرات متباينة أبرزها وجود مخاوف لدى الحوثيين من تبعات التصعيد نحو المياه الدولية. وفيما نشرت وسائل إعلام سعودية صوراً قالت إنها للناقلة التي تعرضت للهجوم قبالة سواحل محافظة الحديدة اليمنية، نقلت وكالة "رويترز"، أمس الأربعاء، عن القوة البحرية للاتحاد الأوروبي أن الناقلة السعودية، وهي من نوع "أبقيق"، كانت تحمل مليوني برميل نفط، بعد أن أعلن التحالف أنها تعرضت لإصابات طفيفة، من دون تقديم معلومات أوفى حول ملابسات الهجوم، وما إذا كان قد وقع بواسطة زوارق حربية أو قصف صاروخي، في مقابل التزام الحوثيين الصمت.
وبصرف النظر عن التفاصيل، يعد الهجوم تطوراً خطيراً ومؤشراً على أن عجلة التصعيد العسكري هي الأسرع مجدداً وتتجه نحو الساحل الغربي، جنباً إلى جنب مع التصعيد على الحدود بين اليمن والسعودية. واعتبر المتحدث باسم التحالف العقيد تركي المالكي، أن الهجوم الذي وصفه بـ"الإرهابي"، يشكل تهديداً خطيراً لحرية الملاحة البحرية والتجارة العالمية في مضيق باب المندب والبحر الأحمر ما قد يتسبب أيضاً في أضرار بيئية واقتصادية. وفي مؤشر على عودة محور الأزمة إلى ميناء الحديدة، كما حصل العام الماضي، بعد استهداف الحوثيين فرقاطة سعودية، اتهم المالكي الحوثيين بالاستمرار بـ"استخدام ميناء الحديدة كنقطة انطلاق للعمليات الإرهابية وتهريب الصواريخ والأسلحة". وشدد على "أهمية وضع ميناء الحديدة تحت الرقابة الدولية، ومنع استخدامه كقاعدة عسكرية لانطلاق الهجمات ضد خطوط الملاحة"، مشيراً إلى أن التحالف سيستمر "في اتخاذ وتطبيق الإجراءات والوسائل كافة لحفظ الأمن والاستقرار واستمرار حرية الملاحة والتجارة العالمية في مضيق باب المندب والبحر الأحمر". وقال وزير الطاقة السعودي خالد الفالح في تغريدة أمس الأربعاء، "ما تعرضت له ناقلة النفط السعودية من اعتداء إرهابي حوثي ما هي إلا محاولة يائسة للتأثير على أمن الملاحة الدولية، باءت بالفشل ولن تؤثر على النشاط الاقتصادي أو تعطل إمدادات النفط".
وكان ميناء الحديدة بمثابة المحطة التالية للتصعيد العسكري والضغوط الدولية على مدى العام الماضي، وذلك بعد استهداف الحوثيين فرقاطة سعودية في البحر الأحمر في يناير/كانون الثاني العام 2017، عقب أسابيع من تدشين التحالف عملية "الرمح الذهبي"، لقوات يمنية موالية للشرعية وأخرى من التحالف، في الجزء الجنوبي من الساحل الغربي، وهي العملية التي انتهت بسيطرة التحالف وقوات يمنية موالية للشرعية على منطقتي المخا وذوباب غرب تعز. وأعلن التحالف، أكثر من مرة، أن المحطة التالية للعمليات العسكرية هي محافظة الحديدة التي تتوسط الساحل الغربي وتعد من المدن اليمنية الحيوية. وللمرة الأولى تقريباً يجري الإعلان عن استهداف ناقلة نفط سعودية في البحر الأحمر، وهو الأمر الذي من المتوقع أن يكون له ما بعده، باعتباره يلامس المخاوف الدولية الأساسية المرتبطة بسيطرة الحوثيين على الساحل الغربي لليمن. وكان الحوثيون هددوا أكثر من مرة بأن البحر الأحمر سيكون خياراً كوجهة للتصعيد، إذا لم يقبل التحالف السلام. ويبدو التحول كما لو أنه ترجمة لتلك التهديدات، التي تخدم، بالإجمال، خصوم الجماعة الذين يشددون على أن سيطرتها على المنطقة تهديد للملاحة الدولية في كل الأحوال.
وترى العديد من الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، ضرورة إبقاء ميناء الحديدة مفتوحاً أمام المساعدات، وأرسلت واشنطن أربع رافعات إلى الميناء، بالتزامن مع خفوت نبرة التحالف تجاه الميناء أواخر العام الماضي. وفي فبراير/شباط الماضي، اعتبرت وزارة الخارجية الأميركية أن إبقاء ميناء الحديدة مفتوحاً أمام المساعدات يمثل المؤشر على نية التحالف الجادة بحل الأزمة في اليمن. وتشدد مختلف البيانات والمواقف الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، على أهمية بقاء ميناء الحديدة مفتوحاً للمساعدات، وبالتالي فإن حديث التحالف مجدداً عن استخدام الميناء كقاعدة للانطلاق بهجمات تهدد الملاحة، يمثل مؤشراً مهماً على عودة بوصلة التصعيد باتجاه الميناء. وكانت قوات يمنية مدعومة من التحالف، ومن الإمارات خصوصاً، تقدمت خلال الشهور الماضية، إلى الأطراف الجنوبية للحديدة، وسيطرت على مدينة الخوخة، ثم اتجهت نحو مديرية حيس. وترافق التصعيد الأخير، وما أعلن عن استهداف ناقلة سعودية، مع أنباء عن انتقال قوات موالية للعميد طارق صالح، نجل شقيق الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، من عدن إلى منطقة المخا، تمهيداً على ما يبدو لمشاركتها في أي عمليات عسكرية في المرحلة المقبلة.
وبالترافق مع التصعيد في الجزء الجنوبي من الساحل الغربي، يواصل التحالف ضرباته الجوية اليومية المكثفة على منطقتي حرض وميدي، وهما مديريتان في محافظة حجة الساحلية الحدودية مع السعودية، والتي تمثل الجزء الشمالي من الساحل الغربي. وسبق أن أعلنت مصادر يمنية عن استعدادات لعملية حاسمة في ميدي، في مقابل التقدم الحاصل من الجزء الجنوبي من الساحل في الخوخة وحولها. الجدير بالذكر أن التصعيد البحري، يعد مؤشراً جديداً يعزز ملامح مرحلة تصعيد جديدة في العام الرابع لحرب التحالف، بعد أن برز، في الفترة الماضية، التصعيد بالصواريخ البالستية للحوثيين باتجاه السعودية، والتي وصل عددها لأكثر من 10 صواريخ في أقل من أسبوعين، بينها ثلاثة من نوع "بركان 2"، الأخطر لدى الجماعة، أطلقت باتجاه الرياض في 25 مارس/آذار الماضي. ومن جهة أخرى، يأتي التصعيد على الرغم من وتيرة اللقاءات والتحركات الدبلوماسية في الأسابيع الأخيرة، للدبلوماسيين الغربيين المعتمدين لدى اليمن، وللمبعوث الأممي مارتن غريفيث، الذي زار صنعاء لأسبوع كامل، وغادرها من دون التوجه إلى عدن كما كان مقرراً، وسط أنباء عن مشاورات يجريها لبلورة أفكار من شأنها أن تعيد الأطراف إلى طاولة المفاوضات، الأمر الذي لا تزال مؤشراته ضعيفة في ظل التصعيد العسكري.