وُضع الدستور الأردني مرة جديدة تحت التعديل، وهذه المرة لمنح صلاحيات جديدة للملك، مقابل سحبها من الحكومة، ليخلق هذا التطور تساؤلات عمّن يتحمّل المسؤولية عن هذه التعيينات. فقد أقر مجلس الوزراء الأردني، أمس الإثنين، تعديلاً جديداً على عدد من مواد الدستور، يمنح الملك صلاحيات مطلقة بتعيين ولي عهده ونائبه والقادة العسكريين والأمنيين في البلاد وأعضاء مجلس الأعيان (الغرفة التشريعية الثانية في البرلمان) ورئيس وأعضاء المحكمة الدستورية ورئيس المجلس القضائي، في تجريد واضح للحكومة من دورها المنصوص عليه دستورياً في العديد من تلك التعيينات، والذي كان يُلزم برفع طلب للملك بالتعيينات التي تصدر عنه بإرادة ملكية، في نهج كان الهدف منه أن تُحمَّل الحكومة المسؤولية الكاملة عن التعيين ومحاسبتها ومساءلتها على أي تجاوزات قد تحدث.
كما شملت التعديلات مواد بعيدة عن الجدل، على غرار: "في حال وفاة رئيس الوزراء تستمر الوزارة برئاسة نائب رئيس الوزراء أو الوزير الأقدم حسب مقتضى الحال ولحين تشكيل وزارة جديدة"، إضافة إلى تعديل جعل مدة رئاسة مجلس النواب سنتين بدلاً من سنة واحدة. ولاحقاً، أضيف تعديل آخر على الدستور، أزال المنع الذي فُرض على تقلّد مزدوجي الجنسية مناصب في الوزارة أو مجلس الأعيان أو الترشح لعضوية مجلس النواب، وهو المنع الذي أقر في تعديلات دستورية جرت عام 2011.
وسبق أن أثير جدل تلازُم السلطة والمسؤولية في العام 2014 عندما منح تعديل دستوري أقر في أغسطس/ آب من ذلك العام، الملك صلاحية مطلقة لـ"تعيين قائد الجيش ومدير المخابرات وإقالتهما وقبول استقالتهما"، بعد أن كان تعيينهما سابقاً يتم بناءً على طلب من رئيس الوزراء والوزير أو الوزراء المختصين، وهي الصلاحية ذاتها التي أعاد التعديل الأخير التأكيد عليها مع منح الملك المزيد من الصلاحيات المطلقة في التعيين.
ذلك التعديل دافعت عنه الحكومة حينها بالحرص على إبقاء المؤسسة العسكرية والأمنية بعيدة عن التجاذبات السياسية، وهي اليوم تدافع عن التعديلات الجديدة، والمتوقع أن يقرها البرلمان من دون ممانعة، بحرصها على "تعزيز مبدأ الفصل بين السلطات واستقلالية المحكمة الدستورية والسلطة القضائية إضافة إلى ضمان حياد قوات الدرك وعدم تأثرها بالسياسة".
الفقيه الدستوري محمد الحموري، قدّم مطالعة للتعديل الدستوري الذي أجري في العام 2014، نفى فيها الحق في محاسبة الحكومة عن الآثار التي قد تنتج عن تعيين قائد الجيش أو مدير المخابرات بعد أن خرج أمر تعيينهما من صلاحياتها وانتقلت السلطة المطلقة في التعيين إلى يد الملك. وأورد في مطالعته تلك التي أثارت الكثير من الجدل: "لأن الملك أصبح يمارس سلطة بهذا الشأن، فإن مبدأ تلازم السلطة والمسؤولية يعني إباحة تقييم أدائه في ممارسة هذه السلطة ومحاسبته"، معتبراً أن التعديلات حينها "انقلاب جوهري على الدستور، حوّلت المملكة من ملكية دستورية إلى ملكية رئاسية". الجدل المتنامي حينها أوجد مجلس النواب مخرجاً فقهياً له، حين أبقى المسؤولية على الحكومة حتى بعد أن جُرّدت من صلاحياتها الدستورية في التعيين، معللاً الأمر بأن مسؤوليتها تبقى قائمة على مراقبة أداء من عيّنهم الملك ضمن صلاحياته المطلقة.
أما التعديل الأخير، فتوسّع في إعطاء الملك صلاحيات التعيين، فبعد أن مُنح صلاحية مطلقة بتعيين قائد الجيش ومدير المخابرات، عاد ليُمنح صلاحية تعيين ولي عهده ونائبه وأعضاء مجلس الأعيان ورئيس وأعضاء المحكمة الدستورية ورئيس المجلس القضائي وقائد قوات الدرك، مع التأكيد على الصلاحيات التي حصل عليها في تعديل 2014 المتعلقة بقائد الجيش ومدير المخابرات.
ويضع فقيه قانوني التعديلات الدستورية في سياق التوسّع في مفهوم الاستثناء من تطبيق نص الإرادة الملكية من خلال التوقيع المجاور والذي حصره الدستور بتوقيع رئيس الوزراء والوزير أو الوزراء المختصين، بحيث منح التعديل الحق للملك ليمارس تلك الصلاحيات بإرادة منفردة.
ويقول الفقيه الدستوري، الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، مفضّلاً عدم ذكر اسمه، إنه حسب القاعدة العامة فالتوقيع المجاور للإرادة الملكية ينقل المسؤولية من الملك إلى رئيس الوزراء، تطبيقاً للنص الدستوري الذي جعل الملك مصوناً من كل تبعة ومسؤولية، مؤكداً أن التعديل ينقل الملك كونه مصوناً ليصبح مُساءلاً عن التعيينات التي منحه التعديل صلاحيات مطلقة لتنفيذها.
ويرى أن تعليل تعيين الملك للقادة الأمنيين والعسكريين بإرادة منفردة من دون تنسيب (رفع اقتراح) من الحكومة حرصاً على عدم التأثر بالصراعات السياسية، أمر يمكن فهمه، لكن يصعب تفهّم منحه صلاحيات مطلقة وإرادة منفردة لتعيين أعضاء مجلس الأعيان ورئيس وأعضاء المحكمة الدستورية ورئيس المجلس القضائي.
أما القانوني مبارك أبو يامين، والذي شغل منصب رئيس اللجنة القانونية في مجلس النواب الخامس عشر، فيرى أن "التعديلات الأخيرة لا تشكّل خروجاً عمّا جاء فيه التعديل السابق المتعلق بتعيين قائد الجيش ومدير المخابرات". وفي ما يتعلق بتعيين ولي العهد ونائب الملك، يلفت إلى أنه يُعتبر تاريخياً حقاً للملك وأمراً محصوراً بالعائلة المالكة.
يُذكر أن الدستور الأردني سبق وعُدّل في العام 2011 بعد أن شكّل الملك لجنة خاصة لتعديله في غمرة الاحتجاجات التي كانت تطالب بإصلاحات سياسية تضمنت المطالبة بتعديلات دستورية تحدّ من صلاحيات الملك، غير أن التعديلات التي أُدخلت حينها والتي تركزت على المواد الدستورية المتعلقة بالحقوق والحريات لم تمس صلاحيات الملك، التي يجري العمل على زيادتها حالياً.