ما بعد فشل روحاني أمام البرلمان الإيراني

29 اغسطس 2018
روحاني في جلسة مساءلته (فاطمة بهرامي/الأناضول)
+ الخط -



لم تكن كل معطيات الجلسة التي حضرها الرئيس الإيراني حسن روحاني أمس الثلاثاء، أمام مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) ليجيب عن أسئلة النواب الانتقادية متوقعة بالنسبة لكثيرين في الداخل الإيراني، ولاسيما أن إجاباته كانت هادئة ومهادنة في قسم كبير من كلمته، التي شكر فيها السلطات الثانية على مساعدة الحكومة في قطاعات عدة، داعياً تيارات الداخل للانسجام والتقارب بما يساعد على تجاوز مشكلات ذات مسببات داخلية وخارجية قد تضع إيران على المحك. وعلى الرغم من ذلك لم يفلح في إقناع النواب ممن أبدوا امتعاضاً من برامجه الحكومية، ودفع ثمن الخلاف السياسي معه وتحمّل وحكومته مسؤولية التدهور الاقتصادي، وهو ما لن يقف عند هذا الحد.

انتهت جلسة الاستماع لإجابات الرئيس بالتصويت على مدى اقتناعهم بها، فرفض النواب أربع إجابات من أصل خمس، تطرقت لملفات التهريب، والبطالة، والركود الاقتصادي، وارتفاع سعر الدولار أمام العملة المحلية، فضلاً عن ملف استمرار فرض العقوبات المالية على طهران رغم توصلها للاتفاق النووي مع السداسية الدولية، وهو الوحيد الذي حظي برضا النواب.

فقد ركز روحاني كثيراً على انتقاده الولايات المتحدة، وأكد أن طهران لا تخشاها ولا تخاف العقوبات والتهديدات، ورأى أن الاتفاق النووي كان يهدف للوصول لأمر واحد ألا وهو إثبات سلمية برنامج إيران النووي ودحض ادعاءات البعض حول وجود أبعاد عسكرية له، دون أن ينفي أنه حقق للبلاد إنجازات عديدة منها ما كان اقتصادياً.

شكك روحاني بما حصل خلال الاحتجاجات التي خرجت نهاية العام الماضي، والتي بدأت بشعارات اقتصادية انتقدت عمل حكومته وتطورت لسياسية طاولت النظام برمته. ورأى أن ذلك غير مسبوق وفيه جرس خطر يجب أن يتنبه له مسؤولو الداخل، وقال إن "الجشع أصاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي أعلن في ذات الفترة أنه لن يبقى في الاتفاق طالما لم تتفاوض طهران مع الآخرين حول دورها الإقليمي وملفها الصاروخي"، كما أوضح أن "إيران فتحت علاقات مع 280 مصرفاً ورفعت العقوبات الخاصة بالبرنامج النووي، لا قرارات الحظر الثانية المرتبطة بملفات أخرى".

كل هذا وإن أقنع النواب نسبياً فصوتوا بالموافقة على إجابة واحدة للرئيس، لا ينفي أن الملفات الداخلية كانت أصعب، وقد أبدى دفاعاً شرساً في الحديث عنها وعرض برامجه الحكومية في كتيّب وزعه على النواب والصحافيين الحاضرين، مؤكداً أن "هذه الحكومة استطاعت رفع نسبة النمو الاقتصادي، وخلقت فرص عمل، وحاربت التهريب كما واجهت مشكلة تدهور العملة أمام الدولار والمرتبطة بعوامل داخلية وخارجية، سياسية واقتصادية ونفسية". لكن تبعات كل ما جرى قد تكون أكثر أهمية، وستنعكس على روحاني نفسه وعلى كل أفراد حكومته وحتى على صراع التيارات الإيرانية وخاصة خلال الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.

دستورياً، تذهب نتائج جلسة الاستماع لإجابات الرئيس والتي لا تنتهي بتصويت على سحب الثقة كما يحصل عادة في جلسات الاستجواب، للسلطة القضائية لتحكم في نتائج الأسئلة التي لم تحظَ بموافقة النواب ويقدم القضاء بعدها بدوره تقريراً للبرلمان. واختلفت الأنباء حول تحويل الملف للقضاء مباشرة بعد انتهاء الجلسة من عدم ذلك. وقال عضو لجنة الأمن القومي حسين نقوي حسيني، إن "الحكم في الإجابات حول الأسئلة الأربعة من صلاحيات محكمة موظفي الدولة التابعة للقضاء. وهذا الحكم يأتي بعد التداول والاستماع لشهادات ممثلين عن الحكومة معنيين بالملفات المطروحة والتي بقيت إجاباتها عالقة، وهو ما قد يعني احتمال إدانة البعض في الحكومة أو إثبات التزامها بواجباتها". وأضاف حسيني لوكالة "تسنيم" أن "السلطة القضائية ترسل تقريرها بعد ذلك للهيئة الرئاسية البرلمانية وبحال صدور حكم مدين للحكومة يتم التعامل مع الأفراد المعنيين استناداً لقانون الجنايات والمخالفات".



من ناحيته، اعتبر النائب عبد الرضا مصري، أن "مصير نتيجة الجلسة بيد السلطة القضائية نفسها وقاضي الملف"، موضحاً أن "هدف البرلمان ليس وضع الحكومة أمام القضاء، وإنما يتعلق بضرورة حل مشكلات المواطنين وهو ما يقع على عاتق الحكومة، لذا يريد النواب الإصلاح، وإذا ما عرضت الحكومة سبل الحل سيصوت البرلمان على لوائحها المقترحة لمساعدتها".

أما المتحدث باسم الهيئة الرئاسية البرلمانية بهروز نعمتي، فأكد لوكالة "إيسنا" أن "توضيحاً في المادة 213 من الدستور يفيد بأن نقل إجابات الرئيس المرفوضة للقضاء يأتي بحال كانت مرتبطة بانتهاك قانون أو رفض تطبيقه. وهو ما يعني أن ذلك غير مطروح حالياً"، موضحاً أن "هذا يعتمد على الرؤية القانونية في البرلمان التي يضعها محاموه ولجنته الحقوقية ممن عليهم البحث بالتفصيل في الأمر ومن ثم تحويل الملف للقضاء باعتبار أن الحكومة ارتكبت مخالفة".

من جهته، يتوقع المحلل السياسي صابر غلعنبري، أن "تزيد الخطوات المقبلة للبرلمان الضغط على روحاني وحكومته، فالجناح الأصولي فيه ما زال صاحب كلمة رغم تراجع حجم كتلته وما زال يستطيع تحريك البوصلة نحو ما يريده معسكره"، معتبراً أن "عملية دراسة الملف في القضاء تأخذ وقتاً وستشكل ضغطاً سياسياً ونفسياً أكثر من أن تكون ذات إجراءات قانونية حقيقية".

وفي حديث لـ"العربي الجديد"، رجح غلعنبري ألا "يتجه البرلمان نحو عقد جلسة مساءلة تنتهي بالتصويت على حجب الثقة، رغم أن الأدوات البرلمانية تتيح فعل ذلك بعد فشل روحاني"، معتبراً أن "خطوة من هذا القبيل لن تصب لصالح الجميع والقيادات الأصولية تدرك ذلك". وتوقع ألا "يوافق المرشد علي خامنئي أيضاً على إطاحة روحاني لأنه دعا سابقاً لمساعدة الحكومة في عملها".

أي جلسة استجواب عتيدة ذات مضمون محاسبة الرئيس والتصويت على أهليته، تحتاج لموافقة ثلثي النواب وهو ما ينفصل عن رأي القضاء أيضاً. وقد أشار النائب حسين علي حاجي دليغاني على "تويتر" إلى أنه "بحال لم تكن إجابات روحاني مقنعة سيضطر النواب لجمع تواقيع جره لجلسة مساءلة". وحتى لو استبعد البعض حصول ذلك أو على الأقل استبعاد إقالة روحاني، لكن الجميع يرجّح المزيد من التصعيد إزاء بقية أفراد الحكومة، فبعد إقالة وزيري العمل والاقتصاد، يتحضر وزير الصناعة لمواجهة البرلمان أيضاً.

ورأى الصحافي في صحيفة "همشهري"، سياوش فلاحبور، أن "جرّ روحاني لمراحل أخطر ما زال مبكراً"، متوقعاً ألا "يقوم هذا الأخير بخطوات تصعيدية". وأشار إلى "المشكلات التي تعاني منها وزاراته، خصوصاً الفساد"، الذي اعتبر أن "حله جذرياً لا يكون بإقالة الوزراء فقط"، مضيفاً أن "تحميل المسؤولية للحكومة في كل تلك الملفات أصبح نتيجة قطعية". وتابع فلاحبور قائلاً إن "ما يحصل لروحاني سيؤثر عليه في كافة المسارات، فهو يتعرض لضغط كبير في الاتجاهين الداخلي والخارجي، وعلى ما يبدو فإن عدداً من الملفات قد خرجت من يده وتقلصت صلاحياته سواء في العنوان النووي أو الإقليمي وحتى في المسائل الدفاعية العسكرية". واعتبر أن "كل ذلك يتعلق باقتراب الاستحقاق التشريعي، فالأجنحة التي تدعم الحكومة من المعتدلين والإصلاحيين مضطرة لتقبّل أنها خسرت قاعدتها الشعبية لعلل كثيرة، وما كل هذا التصعيد إزاء روحاني إلا لمحاصرة الحكومة ومؤيديها".