تعبيد طريق هولاند إلى ولاية ثانية... بانتخابات تمهيدية

تعبيد طريق هولاند إلى ولاية ثانية... بانتخابات تمهيدية

20 يونيو 2016
يسعى كامباديليس لإنقاذ هولاند (تيبو كامو/فرانس برس)
+ الخط -
في سياق تهاوي شعبية الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، إلى درجات متدنية لا سابق لها في تاريخ الجمهورية، وتعاظم السخط الشعبي على أداء الولاية الاشتراكية اجتماعياً واقتصادياً وأمنياً، تحاول قيادة الحزب الاشتراكي الحاكم، بكل الوسائل، تمهيد الطريق أمام هولاند لترشيحه باسم الحزب لولاية رئاسية جديدة في الاقتراع الرئاسي المقبل، عام 2017، رغم أن العديد من استطلاعات الرأي أكدت في الآونة الأخيرة أن هولاند، إن ترشح فهو سيُقصى لا محالة من السباق الرئاسي في الدورة الأولى من الرئاسة.

في هذا الإطار، بادر الأمين العام للحزب "الاشتراكي" جان كريستوف كامباديليس، إلى الإعلان ليل الجمعة، عن تنظيم انتخابات تمهيدية في غضون الأشهر المقبلة داخل التحالف الحكومي، الذي يضمّ "الاشتراكي" وحزب "اليسار الراديكالي"، و"اتحاد الديمقراطيين والخضر"، وهو التحالف الذي أُطلق عليه اسم "التحالف الشعبي الجميل".

ومن المنتظر أن تُنظم هذه الانتخابات التمهيدية، بعد تزكية من المجلس الوطني للحزب الاشتراكي، في دورتين في 22 و29 يناير/كانون الثاني 2017، على أن يتم تسجيل الترشحات في الأسبوعين الأولين من شهر ديسمبر/كانون الأول المقبل.

والواقع أن كامباديليس وهو من كبار المقرّبين لهولاند، يناور لخلق إجماع داخلي داخل التحالف الحكومي، وليس فقط داخل "الاشتراكي" في مواجهة تيار الغاضبين على هولاند، بالاعتماد على بقايا اليسار والخُضر الذين استمالهم الرئيس الفرنسي بمناصب حكومية في السنوات الأخيرة. كما أن الأمين العام لـ"الاشتراكي" يعي جيداً، أن كل الآمال تبخرت في خلق إجماع داخل اليسار المتعدد حول ترشح هولاند لولاية ثانية. ذلك لأن رئيس حزب "جبهة اليسار" جان لوك ميلانشون، المعروف بعدائه الشديد لهولاند، أعلن سلفاً ترشحه للانتخابات الرئاسية في 10 فبراير/شباط الماضي، ويأمل في استقطاب أصوات اليساريين والاشتراكيين المناهضين لهولاند، خصوصاً بعد تبلور الحركة الاحتجاجية الواسعة والمتواصلة ضد قانون العمل والحراك السياسي البديل، الذي طرحته حركة "الواقفون ليلاً" في الأشهر الأخيرة.






كما أن الخضر والشيوعيين أعلنوا منذ مدة معارضتهم المبدئية للمشاركة في أي انتخابات تمهيدية داخل "الاشتراكي" أو اليسار المتعدد، في حال تمخّضت عن جعل هولاند مرشحاً للرئاسيات. ومن هنا تأتي دعوة كامباديليس بتنظيم انتخابات تمهيدية داخل التحالف الحكومي، تُعيد الاعتبار لهولاند داخل العائلة الحزبية، بالاعتماد على دعم من العائلة الحكومية، والتخلّص من فكرة إجراء انتخابات تمهيدية داخل اليسار المتعدد، الذي يكنّ العداء لهولاند. وهي الفكرة التي كانت قد تبلورت في 11 يناير/كانون الثاني الماضي، عبر عريضة نشرتها صحيفة "ليبيراسيون"، ووقّعتها حوالي 50 شخصية يسارية، منها زعيم الخضر السابق دانيال كوهن بينديكت، والحائز على نوبل للاقتصاد توماس بيكيتي، والكاتبة ماري ديبيلشان.

وستُتيح هذه الانتخابات التمهيدية للرئيس المغضوب عليه، فتح نقاش داخل "الاشتراكي" للدفاع عن حصيلته الرئاسية. وأيضاً دفع الاشتراكيين إلى الاختيار ما بين خطين مختلفين داخل الحزب، إما الخط الإصلاحي الذي يسعى لتمثيله، وإما الخط اليساري الذي يمثله تيار "الغاضبون" أو "الساخطون"، وهو تيار يضمّ شخصيات اشتراكية عدة، منها الوزيرة السابقة، رئيسة بلدية مدينة ليل مارتين أوبري، ووزير التعليم السابق بنوا هامون، ووزيرة الثقافة السابقة أوريلي فيليبيتي وآخرون. ويعتبر هؤلاء أن ولاية هولاند انحرفت عن الخط الاشتراكي وتراجعت عن ثوابته الأساسية والتاريخية في أكثر من مجال. ويرى المراقبون المتخصصون في الشأن السياسي الفرنسي، أن هولاند سيجازف كثيراً بالدخول في منافسة داخلية ضد مناهضيه، خصوصاً إن قرر هؤلاء الالتفاف حول مرشح واحد، قد يكون الوزير السابق آرنو مونتبور، الذي أعلن عزمه الترشح للرئاسيات قبل فترة.

وحتى الآن لم يعلن هولاند صراحة عن عزمه الترشح لولاية ثانية، لكن كل المؤشرات تدلّ على أنه يرغب فيها بكل قواه، وأنه ينتظر التوقيت الملائم لهذا الإعلان. وقد يحصل هذا في مستهل الخريف المقبل، حين تخفت الحركة الاحتجاجية ضد قانون العمل وحركة الإضرابات، وتظهر للعلن بعض النتائج الاقتصادية الإيجابية التي قد تساهم في تعديل موقف الرأي العام تجاه هولاند. وتبقى فكرة الانتخابات التمهيدية آخر ورقة بيد هولاند، من دون أن تحمل في طياتها آمالاً كبيرة، فهو في أحسن الأحوال قد يفوز بورقة الترشح لانتخابات رئاسية، إلا أنها ورقة غير مضمونة النتائج، بالنظر إلى الخلل القائم بين الحكومة والقاعدة الانتخابية الاشتراكية، أو يتعرض لهزيمة ثقيلة أمام مرشح الغاضبين عليه داخل العائلة الاشتراكية، وقد تكون خاتمة مريرة لمسيرة سياسية مثقلة بالخيبات في أوساط المتعاطفين مع اليسار.