بين ماكرون وأردوغان ... تحيا الجزائر

27 فبراير 2018
أردوغان في الجزائر(رياض كرامدي/ فرانس برس)
+ الخط -
البيض الفرنسي يفقس سريعاً في الجزائر، والحمّى التي أصابت "لوبي" فرنسياً طاغياً على المشهد الإعلامي والثقافي في الجزائر، بسبب زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تفسّر عميقاً مأزق هوية يتنازع الجزائريين، وأزمة مرجعية تطحن المجتمع، وتدافع الهويات لدى النخب. كل المفارقة أنه عندما جاء ماكرون في زيارة إلى الجزائر في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تداعى البيض الفرنسي لمطالبة الجزائريين بواجب تجاوز عقبة التاريخ والذاكرة لمصلحة المستقبل واعتبار ماكرون ليس مسؤولاً عن الحقبة الاستعمارية، وعندما جاء أردوغان تداعى نفس هذا البيض ليطالب الجزائريين بوجوب المحاسبة التاريخية للعثمانيين وأجداد أردوغان عن حقبة حكمهم في الجزائر، واعتبار أردوغان حمّالاً لوزر أجداده. ثمة سؤال يركب حروفه من هذا المنطق المقلوب والكيل المائل في تعاطي النخب الجزائرية، عن دوافع وخلفيات هذا التعسّف في استدعاء التاريخ، بين ماكرون الفرنسي الذي ينتسب إلى حالة تاريخية تمثّل بالنسبة إلى الجزائريين حقبة جزؤها الغالب، إن لم يكن كله، يفيض بالدم، وبين أردوغان التركي الذي ينتسب إلى حالة تاريخية أخرى كانت محل استدعاء من الجزائريين أنفسهم.

كما في لبنان، هشّمت طاحونة السلطة في الجزائر كل المعالم السياسية، بعد التجربة الثورية التي أنجبت رموزاً سكنت الجزائريين لعقود، وأخفقت السلطة أو تعمّدت الإخفاق في إنتاج نماذج للنجاح السياسي أو الاقتصادي والثقافي والديني ينتسب إليه الجزائريون ويذهبون عميقاً في الأخذ من رمزيته، وأفقد ذلك المجتمع الجزائري كلّ محدداته ومرجعياته ورموزه، ودفع بكثير من نخبه إلى التماهي مع رموز تمثّل دولاً أخرى، لذلك لا غرابة في أن تجاهر مجموعة بالولاء لماكرون، وتجاهر أخرى بالولاء لأردوغان، وبينهما يخفت الولاء للجزائر. قدّر الفرنسيون مستقبلهم فاختاروا القطيعة لمصلحة الشاب ماكرون، وفعل أردوغان لشعبه وبلده ما فعل، اقتصاداً وسياسة، لا يعنينا من الأول ولا الثاني إلا بقدر صلتهما بالتاريخ من حيث هو أولاً، والعائد الاقتصادي والاستراتيجي لمصلحة الجزائر ثانياً، ماكرون ليس ملاكاً وأردوغان ليس الشيطان، وبين دعاة يحيا ماكرون، ويحيا أردوغان، تحيا الجزائر والسلام.

 

 

المساهمون