يقع منتجع "غران بسام" على بُعد حوالي 40 كيلومتراً من العاصمة أبيدجان، ويضمّ فنادق عدة على شاطئ البحر، تجذب السياح الأجانب والجاليات الغربية المقيمة في العاصمة، الذين يحبون الاستمتاع بالبحر ومطاعم السمك.
كما أن المنتجع الذي شيّده الفرنسيون في الخمسينيات من القرن الماضي، يرمز إلى التواجد الفرنسي ويقع على بُعد 30 كيلومتراً من ثكنة عسكرية فرنسية، تضمّ حوالي 600 جندي ودركي فرنسي، تُشكّل قاعدة لوجيستية لعملية "برخان" العسكرية، التي تشنّ من خلالها القوات الفرنسية حرباً استنزافية ضد "التنظيمات الجهادية" في منطقة الساحل.
كما أن استهداف المصالح الفرنسية في ساحل العاج كان أمراً وارداً، باعتبار أن البلاد تضم جالية فرنسية مهمة، مكوّنة من حوالي 15 ألف فرنسي، يوجد منهم 3 آلاف في أبيدجان، التي تعتبر واحدة من العواصم الأفريقية الأكثر تقليداً لنمط العيش الفرنسي. كما أن فرنسا تعتبر الشريك الاقتصادي والتجاري الأول لساحل العاج، وهناك العشرات من الشركات الفرنسية تستثمر في السياحة والخدمات والمواصلات وقطاع الاتصالات.
ومنذ أشهر عدة، تشنّ التنظيمات المتشددة في منطقة الساحل، وعلى رأسها تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" هجمات منظمة ضد المصالح الفرنسية في دول منطقة الساحل. وبرهن المتشددون عبر هذه الهجمات، أنهم قادرون على الضرب أينما شاؤوا ومتى أرادوا في قلب عواصم دول تلك المنطقة. فقد هاجموا فندق "راديسون بلو"، في وسط العاصمة المالية باماكو، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وقتلوا 22 شخصاً. كما هاجمت خلية إرهابية عاصمة دولة بوركينا فاسو، واغادوغو، واستهدفت فندقاً ومقهى ومطعماً ما أسفر عن مقتل 30 شخصاً من بينهم العديد من الأجانب.
اقرأ أيضاً: المغرب يقدم مساعدات استخباراتية لساحل العاج بعد الهجوم الإرهابي
غير أن الهجوم على ساحل العاج عكس معطى جديداً، فالمتشددون باتوا قادرين على نقل المعركة من منطقة الساحل إلى دول أفريقيا الغربية الفرنكوفونية، التي كانت حتى الآن في مأمن من الهجمات الإرهابية. وهذا ما كانت السلطات الفرنسية تخشاه، لأن العديد من الدول الأفريقية المتحالفة مع فرنسا، لا تمتلك ما يكفي من القدرات الأمنية والاستخباراتية، ولا تتوفر على قوات خاصة مؤهلة للتدخل السريع لصدّ وتفادي الهجمات الجهادية التي تستهدف في الغالب مدنيين عزلا في مواقع سياحية سهلة الاختراق.
كما أن المؤشرات على احتمال تعرّض ساحل العاج لهجمات تعززت في الأسابيع الأخيرة، بعد وقوع هجمات عدة تبنّاها تنظيم "المرابطون" بقيادة الجزائري مختار بلمختار وتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" وتنظيم "أنصار الإسلام"، استهدفت مواقع للجيش المالي في جنوب مالي، على بُعد بضعة كيلومترات من الحدود مع ساحل العاج.
وأثار الاعتداء الأول من نوعه في ساحل العاج، تساؤلات عدة حول الأداء الأمني للسلطات، وكذلك إهمال الأجهزة الأمنية حراسة المواقع السياحية، كمنتجع "غران بسام"، الذي كان الجميع يعرف أنه هدف محتمل للمتشددين. كما انتقدت بعض وسائل الإعلام في أبيدجان تأخر التدخل الأمني لصدّ المهاجمين الذين نفدوا الهجوم على الشاطئ لمدة ساعة كاملة، قبل أن تتدخل القوى الأمنية مسنودة بقوة فرنسية.
ودأب المحللون المهتمون بقضايا الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي، في الآونة الأخيرة على التحذير من وقوع هجمات تستهدف الجاليات الغربية والفرنسية، تحديداً في أبيدجان، أو في العاصمة السنغالية داكار. وقبل ثلاثة أشهر قامت السلطات الأمنية في أبيدجان بالتدرب على عملية أمنية واسعة لتأمين الحي الدبلوماسي والمواقع السياحية والفنادق والمطاعم. لكنها أغفلت الاهتمام بمواقع سياحية خارج العاصمة مثل منتجع "غران بسام".
ومن المتوقع أن تقدم فرنسا مساعدة أمنية إضافية لساحل العاج خلال الزيارة التي يقوم بها اليوم الثلاثاء، إلى أبيدجان وزيرا الخارجية والداخلية الفرنسيان جان مارك أيروليت وبرنار كازنوف، اللذان سيعربان عن دعم باريس لساحل العاج في مواجهة التهديدات الإرهابية. وتخشى فرنسا من تداعيات الهجوم على المنتجع على الأوضاع الداخلية الهشة في ساحل العاج، فالبلد ما يزال يتعافى من حرب أهلية طاحنة دامت حوالي 10 سنوات، ووضعت فرنسا حدّاً لها عام 2011، تاريخ تسلم الرئيس الحسن وتارا مقاليد الحكم خلفاً للرئيس السابق لوران غباغبو بعد انتخابات رئاسية دعمتها فرنسا. وعلى الرغم من أن المسلمين الذين يشكّلون نحو 38 في المئة من مجموع السكان، ويتمركزون في مدن الشمال، يعيشون إسلاماً وسطياً معتدلاً، ولا تنتعش بينهم الأفكار الجهادية المتطرفة، فإن بعض المراقبين يخشون من تأثير الهجوم الجهادي الأخير على هذه الجالية واحتمال تأجيج التوتر العرقي بينهم وبين المسيحيين.
اقرأ أيضاً: انتهاء عملية احتجاز الرهائن في باماكو و"المرابطون" يتبنى الهجوم