الحرب تتجدّد في الشرق الأوكراني

20 مارس 2015
التحضيرات مستمرة لاستئناف الحرب (بيار كروم/Getty)
+ الخط -
تُنبئ التعديلات الجديدة على قانون "الوضع الخاص لإقليم دونباس (منطقتي لوغانسك ودونيتسك الانفصاليتين)"، بعودة قريبة للعمليات القتالية في البلاد. فبعدما كان البرلمان الأوكراني قد أقرّ قانوناً يحقّق جزئياً مطالب الانفصاليين، اعتبر قادة دونباس والقيادة الروسية، أن كييف تقوّض أساس اتفاقات مينسك ومسيرة السلام برمتها. وتُشكّل هذه المعطيات إشعاراً بتجدد الحرب، في ظلّ دقة مساعي الرئيس الأوكراني بترو بوروشينكو، من أجل استجلاب قوات حفظ سلام دولية، من دون استشارة زعماء الانفصاليين.

وكان البرلمان الأوكراني قد أرجأ، في جلسته يوم الثلاثاء، العمل بالوضع الخاص بنظام الإدارة الذاتية في دونباس، إلى حين إجراء انتخابات هناك، مشترطاً أن تُجرى الانتخابات وفقاً للقانون الأوكراني، الأمر الذي أثار استياء الزعماء الانفصاليين، ورفضوه رفضاً قاطعاً.

كما أقرّ البرلمان قائمة المناطق التي سيشملها قانون "الوضع الخاص"، مع العلم بأن الحدود غير مرسومة بوضوح، خصوصاً أن الحدود الإدارية لا تتطابق مع الحدود الميدانية، القابلة للتغيّر وفقاً لمجرى العمليات العسكرية.

كما صادق البرلمان، في جلسته، على طلب بوروشينكو من مجلس الأمن الدولي والمفوضية الأوروبية القيام بمهمة دولية لإحلال السلام والأمن على أراضي البلاد، أي "طلب قوات حفظ سلام دولية". وصوّت على قرارٍ يصف بعض مناطق لوغانسك ودونيتسك بـ"المُحتلة مؤقتاً"، الأمر الذي يعني، عملياً، عدم الاعتراف بأي من "المكتسبات" التي حققها الانفصاليون بالدم.

اقرأ أيضاً: الأزمة الأوكرانية تُبيد البسطاء

وفي سياق سياسة كييف، التي تسعى بكافة السبل إلى إعادة بسط سيطرتها على كامل البلاد، فقد نقل موقع "أوكراينفورم.يوا" عن نائب رئيس البرلمان الأوكراني، أندريه باروبيا، قوله: "سنقوم عملياً بمحاصرة الكثير من الأوضاع المثيرة للجدل، عن طريق التعديل الذي قدّمه الرئيس. وهذا التعديل يفيد بعدم ذهابنا إلى أي مفاوضات، قبل أن تُجرى انتخابات تحت إشراف تام من السلطة الأوكرانية، في منطقتي لوغانسك ودونيتسك، وفي المناطق التي تتواجد فيها قوات احتلال اليوم".

وفي الحديث عن لوغانسك ودونيتسك بصورة منفصلة عن "المناطق المحتلة"، إشارة إلى هوية أخرى لما تُسمّيه كييف "قوات احتلال". أما موسكو فترى أنّ "كييف تسعى لإدخال قوات أجنبية إلى إقليم دونباس بدلاً من أن تقوم بتنفيذ اتفاقات مينسك، من دون الأخذ برأي طرف الصراع الآخر بعين الاعتبار".

وظهر الرفض الروسي مع نشر وكالة "إنترفاكس" ما جاء في طلب كييف إلى مجلس الأمن الدولي، الذي تُعرب فيه عن أملها بـ"الشروع في الإجراءات المناسبة بشأن مهمة دولية من الأمم المتحدة على أراضي أوكرانيا لدعم السلام والأمن، وأن يتم تعيين الظروف المحددة عبر إجراء مشاورات مع الجانب الأوكراني، وفقاً للإجراءات المعمول بها". وتمنّت كييف "إرسال بعثة تقييم إلى أوكرانيا لدراسة الوضع وتقديم التوصيات المناسبة لمجلس الأمن الدولي".

ولما كان ذلك لا يأخذ بالاعتبار رأي إقليم دونباس، ولا يترك له مجالاً، فمن شأن الرسالة بحدّ ذاتها، وبصرف النظر عن استجابة المنظمة الدولية، أن تعيد حسابات الانفصاليين نحو بسط سيطرتهم على كامل "نوفوروسيا"، أي نحو الحرب وليس السلام.

في السياق، نقلت وكالة "تاس"، في 7 مارس/ آذار الحالي، عن ممثل دونباس في مفاوضات مينسك، دينيس بوشيلين، تأكيده القاطع لرفض قانون "الوضع الخاص"، وقال: "لن تعترف الجمهوريتان (لوغانسك ودونيتسك) بأي تعديلات متخذة من بوروشينكو غير متوافق عليها معنا. وهي من وجهة نظرنا لا معنى لها من الناحية القانونية ولا قيمة لها من الناحية السياسية، وتنتهك بصورة مباشرة روح ونصّ اتفاقات مينسك". وأضاف بوشيلين: "مسيرة مينسك توقفت عملياً، لأن أساسها الذي هو قانون الوضع الخاص، ألغته تعديلات بوروشينكو في الجوهر، فهو لا يحترم شعب دونباس، ولا يريد السلام".

وفي اليوم نفسه، نقلت وكالة "إنترفاكس" تصريح رئيس جمهورية "دونيتسك الشعبية" المُعلنة من جانب واحد، ألكسندر زاخارتشينكو، الذي اعتبر فيه أنه "علينا السيطرة على جميع مدننا التي جرى فيها الاستفتاء، والتعاون سياسياً بعد ذلك مع أوكرانيا، كشريكين على قدم المساواة". وأدلى زاخارتشينكو بتصريحه أثناء زيارته منطقة ديبالتسيفو، التي سبق أن حوصرت فيها القوات الأوكرانية وتكبّدت خسائر كبيرة، قبل إجبارها على الانسحاب تاركة سلاحها.

ونقلت وكالة "ريا نوفوستي" تعليق رئيس مجلس الشعب في "جمهورية دونيتسك الشعبية"، أندريه بورغين، على قرار البرلمان الأوكراني إدخال قوات حفظ سلام دولية إلى إقيلم دونباس، بتأكيده أن "هذا مجرّد هراء، ونحن ضد ذلك تماماً، فبعدما قاتلنا لستة أشهر، وتوصلنا إلى إيقافهم عن إطلاق النار علينا، يقولون لنا الآن تعالوا ندخل قوات حفظ سلام. أي قوات؟ وما معنى ذلك؟ نحن بالمطلق ضد أي قوات حفظ سلام، أياً كانت".

من جهته، شكك الأمين العام لبعثة "التعاون والأمن" الأوروبية، لامبيرتو زانر، بنجاح مهمة محتملة للأمم المتحدة في أوكرانيا، فقال، وفقاً لـ"ريا نوفوستي"، إنه "ليس هناك إجابة دقيقة هنا، وما إذا كانت عملية حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة ستكون أكثر نجاحاً من بعثة الأمن والتعاون الأوروبية".

وعلى صعيد ردود الأفعال الروسية الرسمية، اعتبر وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، مشروع بوروشينكو "خروجاً حاداً عن اتفاقات مينسك". ونقلت محطة "تي في تسي" التلفزيونية عنه قوله: "يحاول بوروشينكو، من خلال الوضع الخاص، وضع انتخابات جنوب شرق البلاد، تحت رحمته وتنظيمها من دون مشاركة قادة جمهوريتي دونيستك ولوغانسك الشعبيتين".

وأضاف لافروف: "إننا نتحدث عبر اتصالاتنا اليومية مع زملائنا من فرنسا وألمانيا، بضرورة إرسال إشارات مناسبة إلى كييف، التي تعيق عمل مجموعة الاتصال بشأن تنفيذ الجوانب السياسية والإنسانية والاجتماعية والاقتصادية لاتفاقات مينسك، كما أن من أهم الأمور التي برزت الآن هي إدارة الوضع الإشكالي الصعب الذي نشأ مع تقديم بوروشينكو مشروع قانونه إلى البرلمان الأوكراني".

وتُشير تصريحات قادة دونباس وموسكو إلى أن الوضع الخاص لدونباس قد يتحول إلى وضع عام غير قابل للضبط ومؤهل للانتشار والتفاقم، في ظلّ تزايد التحضيرات على الأرض، التي تشي بقرب استئناف العمليات العسكرية من الجانبين.

اقرأ أيضاً: السنوية الأولى لـ"ضمّ" القرم: فيلم روسي يفتح أبواب لاهاي

المساهمون