الجزائر: السلطة تلعب بورقة الشارع المضاد

07 نوفمبر 2019
يرفض الحراك إجراء الانتخابات الرئاسية (العربي الجديد)
+ الخط -
دفعت العودة القوية لمسيرات الحراك الشعبي في الجزائر في الجمعات الأخيرة، ولا سيما الجمعة الأولى من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، السلطة في البلاد إلى التوجه نحو تكتيك معاكس، باستخدام الشارع والحشد التدريجي لأنصارها الذين يدعمون الجيش والمسار الانتخابي عبر إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها المقرر في 12 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، وإخراجهم إلى الشارع في مسيرات بدت خجولة، ولم تعكس حتى الآن حديث السلطة عن وجود تأييد شعبي كبير لصالح خيارها المعاكس لخيارات الحراك الشعبي.

وبالتقليد السياسي نفسه الذي استخدمته السلطة عام 1995، في ما عرف حينها بالمسيرات العفوية المناوئة للمعارضة والداعمة للجيش والسلطة وقتها، دفعت سلطات اليوم منظمات في المجتمع المدني وناشطين في الأحزاب السياسية الموالية لها للمبادرة بتنظيم مسيرات شعبية داعمة للجيش وللانتخابات الرئاسية المقبلة. وشهدت وادي سوف، جنوبي الجزائر، أول من أمس الثلاثاء، مسيرة شعبية حشدت لها السلطات ناشطين في جمعيات محلية وأحزاب موالية ومواطنين وعمالاً في بعض المؤسسات الخاصة، وجابت الشوارع الرئيسية للمدينة، ورُفعت خلالها شعارات تدعم الجيش وقائد الأركان أحمد قايد صالح، وتنظيم الانتخابات الرئاسية في موعدها.

وبخلاف تظاهرات الحراك الشعبي، وفّرت السلطة تغطية تلفزيونية لهذه التظاهرة، وسمحت لعدد من المشاركين فيها بالإدلاء بتصريحات تصبّ في سياق دعم الجيش والانتخابات، واتهام الأطراف المناوئة لهذا الخيار بالعمالة للخارج، وتنفيذ أجندات أجنبية.

وكانت العاصمة الجزائرية قد شهدت، يوم الاثنين الماضي، تجمعاً صغيراً لمنظمة "أبناء المجاهدين" الموالية للسلطة، رُفعت خلاله صور لقايد صالح، ووزير العدل بلقاسم زغماتي الذي يخوض صراعاً مع نقابة القضاة، فضلاً عن رفع لافتات تدعم تنظيم الانتخابات الرئاسية المقبلة. لكن هذا التجمّع الذي وفّرت له السلطات تغطية في التلفزيون الرسمي، تم سحب فقرة تغطيته من النشرة الرئيسية للأخبار لاحقاً بسبب العدد الضعيف للمشاركين فيه، خصوصاً أنّ المكان كان يتعلق بالعاصمة، مقارنة مع مئات الآلاف من المتظاهرين المعارضين الذين يخرجون كل جمعة، إضافة إلى الحراك الطلابي كل يوم ثلاثاء.

ولم تكتف السلطة بمحاولة إنزال أنصارها إلى الشارع، لكنها توجهت أيضاً لاستعمال الأساليب السياسية نفسها في توظيف المؤسسة الدينية لصالح مساراتها السياسية. واستغلت انعقاد مؤتمر للزوايا الدينية والطرق الصوفية في مدينة وهران، غربي الجزائر، لتحويل المؤتمر ودفع المشاركين فيه إلى إصدار بيان باسم هذه المؤسسات الدينية يدعم الجيش ويدفع باتجاه الانتخابات. وكذا قيادة مسيرة وسط المدينة، رفعت خلالها صور قائد الجيش، ولافتات تدعم المسار الانتخابي وتدعو الجزائريين للتوجه إلى صناديق الاقتراع في 12 ديسمبر المقبل للاختيار بين المرشحين الخمسة للرئاسة: علي بن فليس، عبد المجيد تبون، عبد العزيز بلعيد، عبد القادر بن قرينة، وعز الدين ميهوبي.

ويعتقد مراقبون أنّ الشارع لا يزال يمثل الساحة الأبرز للصراع السياسي، وأنّ استعراض الحراك لقوته الشعبية كل أسبوع، وتزايد التعبئة خلال الأسابيع الأخيرة، يدفع السلطة إلى لعب كل أوراقها لضمان تأمين الدعم السياسي والشعبي للمسار الانتخابي الذي تطرحه، وتلافي أي مفاجآت غير متوقعة.

وفي السياق، يرى الباحث في الشؤون السياسية عمار سيغة، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "المعركة في الوقت الحالي هي معركة تعبئة لإنجاح الانتخابات"، مضيفاً أنّ "السلطة تعتبر أن ذلك يكون باسترجاع أحد أركان الشرعية والتي هي قوة الشارع". ويتابع أنّ "تلك المسيرات محضّرة مسبقاً وبإخراج محكم، وذلك لاستخدامها في الترويج الإعلامي الموجه، خصوصاً للرأي العام الدولي المهتم بما يحدث في الجزائر".

ويبدي سيغة، كما الكثير من المتابعين، مخاوف جدية راهنة "من خلق حالة صراع أو احتكاك في الشارع، بالنظر إلى أنّ طرفي الصراع يلعبان لعبة كسر عظم، وخصوصاً في حال تزامنت المسيرات المؤيدة والمناوئة في التوقيت نفسه وفي الحيز نفسه، وهو ما يتوجب تلافيه".

ويعيد شكل وطبيعة هذه المسيرات الخجولة إلى أذهان الجزائريين ما عرف عام 1995 بالمسيرات العفوية التي نظمتها أحزاب وجمعيات مدنية موالية بدعم من السلطة ضدّ مبادرة واجتماع قوى المعارضة السياسية في العاصمة الإيطالية روما، لمناقشة مبادرة سياسية لحلّ الأزمة في البلاد. وهو الاجتماع الذي عقد برعاية كنيسة سانت إيجيديو، ووجدت السلطة والمسيرات التي نظمتها، في ذلك مدخلاً لتخوين المعارضة واتهامها بالاستعانة بالخارج وبمؤسسة دينية مسيحية، في حين أنه لم يكن ممكناً لقوى المعارضة عقد اجتماع في الجزائر، بسبب التضييق الذي كانت تمارسه السلطة على المعارضة، أفراداً وأحزاباً.

غير أنّ متابعين وفعاليات سياسية ترى أنّ السلطة لا تقف وحدها وراء تحريك الجانب الآخر من الشارع وتنظيم المسيرات الداعمة لخيارات الجيش والمسار الانتخابي، إذ يوفّر صراع الإرادات بين الحراك الشعبي والسلطة، فرصة للكثير من الأطراف التي تعيش على التملّق للأخيرة وتسعى للاستفادة السياسية، لتقديم خدماتها لصالحها.

وفي هذا الإطار، يعتقد الناشط السياسي والقيادي في "جبهة العدالة والتنمية" محمد الأمين سعدي، أنّ "السلطة مهتمة أكثر بالسيطرة الكاملة على الجانب التنظيمي للانتخابات وللمشهد بشكل عام"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "السلطة لن تنافس على الشارع قبل الانتخابات، والمسيرات التي خرجت مدافعة عن خيارات الجيش حسب المعلومات المتوفرة، لم تكن بإيعاز منها، بل نُظّمت من قبل بعض الذين يودون التقرب من السلطة". ويلفت سعدي إلى أنّ الأخيرة مهتمة أيضاً "بأن تجد لها موطئ قدم في الشارع بعد الانتخابات (إن لم يتم إلغاؤها)، دعماً لقرارات الرئيس المقبل الذي سيكون مدفوعاً، بسبب استمرار الحراك الشعبي، إلى اتخاذ إجراءات تهدئة، من بينها الإفراج عن معتقلي الحراك".

وفيما تخوض السلطة والكيانات المناصرة لخيارها معركة استرجاع الشارع الذي يفلت أكثر فأكثر من بين يديها ويصعّد مواقفه من جمعة إلى أخرى، ومع اقتراب موعد بدء الحملة الانتخابية في 18 نوفمبر الحالي والاستحقاق الرئاسي بعد نحو شهر، تظلّ المخاوف قائمة بشأن المآلات التي ستنتهي إليها الأوضاع في الجزائر على صعيد الشارع والمشهد السياسي.



المساهمون