مشروع تعديل وزاري "جذري" بتونس:حكومة سياسيين تخلف فريق الكفاءات

26 ديسمبر 2015
يأمل الصيد أن تحل الحكومة المقبلة المشاكل الاقتصادية (الأناضول)
+ الخط -
شرع رئيس الحكومة التونسية الحبيب الصيد، منذ أسبوعين، في التشاور مع الأحزاب السياسية حول التعديل الوزاري المرتقب، الذي أعلن عنه خلال مناقشة ميزانية الدولة للعام المقبل.

والتقى الصيد بممثلي حركة "النهضة" وحزبي "آفاق" و"الاتحاد الوطني الحر"، في حين لم يلتق أيًّا من كوادر "نداء تونس" بسبب أزمته الداخلية. غير أن هذا ليس بالأمر الهام، لأن ما يتعلق بالنداء يُناقش في العادة مع الرئيس الباجي قائد السبسي نفسه.

اقرأ أيضاًانقسام "نداء تونس" رسمياً: سيناريوهات الأيام الآتية

مع ذلك، فإن مخرجات الأزمة الحزبية ستنعكس على شكل الحكومة المقبل، خصوصاً اصطفاف الشخصيات السياسية في هذا الشق أو غيره، وهو ما سيؤدي إلى دخول أو خروج بعضها من الحكومة.

وأكّدت مصادر متقاطعة من الائتلاف الحاكم لـ"العربي الجديد" أن هذه الحكومة ستشهد تغييرات جوهرية، على عكس ما أعلن عنه سابقاً، ولن تكون مجرد عملية ترميم للتشكيل الحاكم.

ولفت إلى أنه تم الاتفاق تقريباً على مسألتين؛ الأولى أن تكون حكومة سياسية بامتياز، بحيث تعتمد على الأحزاب الأربعة المشكلة للائتلاف الحاكم، وليس حكومة كفاءات كسابقتها. أما المسألة الثانية، بأن تشهد تغييرات جوهرية على هيكلة الحكومة، بحيث يجري تغيير وزارات وإدماج أخرى، وحذف خطط وإنشاء أخرى.

وبحسب المعلومات المتوفرة لـ"العربي الجديد"، فإن الاعتماد على الأحزاب في التشكيل الحكومي يعني توسيع حجم مشاركتها، خصوصاً بعد الاستغناء عن كفاءات الحكومة الماضية. غير أن الصيد يشترط أن تقدّم الأحزاب في مقترحاتها الاسمية كفاءات قادرة على تقديم إضافة في حلحلة المشاريع المتوقفة، وإطلاق مبادرات لحلّ بعض أزمات الوزارات.

2016 سنة إقلاع

ويريد الصيد من حكومته الجديدة أن تبعث رسائل إيجابية للتونسيين، وأن تجعل من 2016 سنة إقلاع فعلية تعيد الأمل من جديد لساحة منهكة على الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، وهو ما مهّد إليه محافظ البنك المركزي في تصريح مفاجئ، لفت فيه إلى إمكانية أن يكون العام المقبل بداية انتعاش للوضع الاقتصادي. وتعوّل تونس خلال العام المقبل على الإصلاحات التي تم إدارجها في قانون المالية الجديد، رغم مشكلة عدم دستورية بعض فصوله، وحجم المساعدات الخارجية المرصودة، وبداية انتعاش بعض القطاعات الاقتصادية، على الرغم من تراجع السياحة.

على المستوى الأمني، تراهن حكومة الصيد على تحسن الوضع الأمني بأدوات داخلية، وعلى تحسّنه خارجياً، خصوصاً إذ بدأ الوضع الليبي في الاستقرار، بعد التفاهمات الأخيرة وتوقيع اتفاق الصخيرات. ويرتقب أن تكون عملية مراقبة الحدود التي تشهد تحسناً ملحوظاً، في أعلى مستويات فعاليتها بسبب التجهيزات الأمنية والعسكرية التي تصل تونس العام المقبل.

"نفضة" حكومية

من جهة ثانية، فإن التغييرات الهيكلية التي يرتقب أن تشهدها حكومة الصيد الجديدة قد تضيف بعض الفعالية على عمل بعض الوزارات. وتؤكد المعلومات التي حصلت عليها "العربي الجديد" أنه سيتم فصل وزارة الداخلية الى وزارتين، أولى تهتم بالأمن وتحافظ على التسمية نفسها، وثانية تُعنى بالحكم المحلي، وخصوصاً أن تونس مقبلة على انتخابات محلية آخر العام المقبل، وعلى تغييرات جذرية في الحكم المحلي أقرّها الدستور الجديد، ومنح من خلالها بعض قدرات التصرف الذاتي. وتم تداول أفكار حول إمكانية إدماج وزارة البيئة في هذه الوزارة. لكن يُرجّح أن تبقى وزارة البيئة كما هي، لأهمية البعد البيئي محلياً ودولياً، وبسبب وجود إمكانيات دولية هائلة مرصودة لتشجيع الوضع البيئي في الدول النامية، ستحاول الحكومة الجديدة أن تعمل على تحسين نصيب تونس منها.

وفي باب التغييرات الهيكلية، ترجح المعلومات أن يتم الفصل في وزارة الصناعة والمناجم، لتصبح وزارة خاصة بالطاقة، وتدمج وزارة الصناعة مع وزارة التجارة، وإنشاء وزارة جديدة  تعنى بالحوْكمة ومكافحة الفساد. كما يتوقع أن يتم حذف خطة كتاب الدولة (معاونون للوزراء)، وأن تصبح الحكومة الجديدة حكومة بـ26 وزيراً.

وكان تردّد في الأيام الأخيرة أن يتم إنشاء وزارات كبرى، تدمج بعض الوزارات تحت قيادة واحدة، ولكن يبدو أنه جرى التخلي عن هذه الفكرة بسبب معارضتها من أكثر من جهة خلال المشاورات.

وكان القيادي في حركة "النهضة" عبد اللطيف المكي قد أكد في تصريح إذاعي، أن الحركة قدمت الأسماء المقترحة لتولي مناصب وزارية في الفريق الحكومي الجديد، مشيراً الى رفض الحركة خيار الجمع بين الوزارات باعتباره خياراً فاشلاً. وقال إن حركة "النهضة" تؤيد مشاركة الأحزاب الممثلة في مجلس النواب في الفريق الحكومي الجديد.

بموازاة ذلك، أكّد علي العريض، في تصريحات للصحافيين، على هامش احتفال، نظمته الحركة بمناسبة ذكرى "المولد النبوي الشريف"، الأربعاء أن "التعديل الوزاري يجب أن يأخذ بعين الاعتبار أن هذه المرحلة الحساسة تحتاج إلى حكومة إصلاحات، بعدما أنهينا المرحلة الانتقالية".

وتشير المعلومات إلى أن الأحزاب بالفعل قدّمت مقترحاتها الاسمية الى رئيس الحكومة. كما أنّ مشاركة الأحزاب في الحكومة لن تكون عاكسة لتمثيلها في البرلمان، على الرغم من توسيعها. ولا تتمسك حركة "النهضة" بهذا المعيار، رغم أن عدد وزرائها الجدد سيكون، بحسب المعلومات، في حدود الأربعة، وكذلك "الاتحاد الوطني الحر"، الذي قد يحافظ على وزيريْ البيئة وأملاك الدولة، في حين تأكدت مغادرة وزير الرياضة، بسبب المشاكل التي أحدثها وجود رئيس الحزب سليم الرياحي على رأس النادي الأفريقي.

وتثير وزارات السيادة أسئلة حول الأسماء التي يمكن أن تتولاها. وبحسب المعلومات، فإنه يجري البحث حالياً عن وزير للعدل، يُعتقد في الغالب أنه سيكون من بين المستقلين المسنودين حزبياً، بعدما راجت أخبار عن إمكانية تفرّغ وزير الدفاع الحالي (ووزير العدل بالنيابة بعد إقالة محمد صالح بن عيسى)، فرحات الحرشاني، لهذه الحقيبة. ويُرجّح أن يبقى الأخير في مكانه. كما يُرجّح أن يبقى محمد ناجم الغرسلي على رأس وزارة الداخلية، برغم الانتقادات المثيرة التي وُجِّهت له بغاية التمهيد لإبعاده عن الوزارة.

ويبقى السؤال الأكبر متعلقاً بوزارة الخارجية ووزيرها الحالي الطيب البكوش. وتقول المعلومات إن السبسي غير راضٍ عن أدائه، و غير راضٍ خصوصاً عن مواقفه في داخل حزب "نداء تونس"؛ فالبكوش كان أبرز معارض للتحالف مع "النهضة"، ودفع إبان تشكيل الحكومة، بكل الوسائل الى عرقلة هذا المسار، وبقي على الحياد في الصراع الأخير داخل الحزب، ولم يلتحق بالهيئة التأسيسية إلا في آخر اجتماع لها منذ أسبوع. 

وتشير تسريبات الى أن بقاءه من عدمه، مرهون بما ستؤول إليه الأمور في النداء، وهو ما سيتوضح خلال اليومين المقبلين، حتى لا يُقدّم كهدية إلى الشق الانفصالي داخل الحزب.

على عكس البكوّش، اتخذ وزراء آخرون موقفاً مدافعاً عن وجهة نظر السبسي منذ اليوم الأول وعارضوا فكرة تقسيم الحزب، وهؤلاء سيبقون في مناصبهم، على غرار وزير التربية، ناجي جلول، الذي يتصدّر عمليات سبر الآراء. كما يُرجح بقاء وزير الصحة سعيد العايدي في منصبه. في المقابل، يتوقع أن يغادر وزير النقل محمود بن رمضان بسبب دعمه لشق محسن مرزوق في أزمة النداء الأخيرة.

ويتوقع ألا يكون الإعلان عن التشكيل الحكومي الجديد قبل الانتهاء من موضوع أزمة النداء، رغم ترجيح الإعلان قبل نهاية العام. لكن الحبيب الصيد، الكتوم جداً، يخفي كل أوراقه، ويحاول تلافي أخطاء تشكيل الحكومة الأولى، التي وُلدت تحت ضغط نتائج الانتخابات الماضية. ويدرك أن هذه الفرصة قد تكون الأخيرة للحفاظ على منصبه. لذا، يسعى، معتمداً على دعم السبسي وزعيم "النهضة" راشد الغنوشي، الى الاستعانة بالأسماء التي يراها قادرة على تحسين أداء وزاراتها، في ظل هذه الظروف الصعبة، وقد يراوغ الجميع من أجل تشكيل حكومي يراه أكثر فاعلية ونجاعة.

اقرأ أيضاً: حكومة الصيد وضرورات التغيير: خلافات حكومية وضغوط للمعارضة 

المساهمون