الخلافات تعصف بـ"نداء تونس"... وحافظ السبسي يظهر من جديد

21 مايو 2016
تقول قيادات إن نفوذ حافظ قائد السبسي يتوسّع(أمين الأندلسي/الأناضول)
+ الخط -
تركت استقالة رئيس الهيئة السياسية لحزب "نداء تونس"، رضا بلحاج، أثرها على الحزب، فلم تمضِ ساعات على تقديمها حتى أعلن القيادي وعضو الهيئة السياسية لـ"النداء"، بوجمعة الرميلي، عن تجميد عضويته في الحزب احتجاجاً على "اختلال التوازنات" داخله.
وتواترت الخلافات داخل "نداء تونس"، بعد انعقاد الأيام البرلمانية للكتلة النيابية للحزب، الأسبوع الماضي، إذ كانت محطة لإعلان الكتلة استقلاليتها عن الهيئة السياسية وصلاحيتها في اتخاذ القرارات في المجال البرلماني. كما ركّزت أيضاً على إعادة ترتيب وهيكلة الكتلة بعد أن تنحى الفاضل بن عمران عن رئاستها، وتم انتخاب سفيان طوبال محله، وهو ما وصفته بعض القيادات بتوسع نفوذ حافظ قائد السبسي، نجل الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، داخل الحزب وسيطرته على الكتلة والحزب معاً.
إثر ذلك، أعلن رضا بلحاج استقالته من منصبه، ولكن الهيئة السياسية للحزب طلبت تأجيل البت فيها. ومثّلت استقالة بلحاج التي لم يوضح أسبابها بالشكل الكامل، محل تساؤل، إلا أن تجميد الرميلي لعضويته قدّم الإجابات حول استقالة بلحاج. الرميلي اعتبر في تصريحات صحافية متواترة، أن "النداء" في شكله الحالي انتهى، ما لم يتم التراجع عن كل ما نتج عن مؤتمر سوسة، مؤكداً أن عدم الاستجابة لمطالب رئيس الهيئة السياسية ستترتب عنها استقالات أخرى.
وكانت صحف محلية قد نقلت عن الرميلي إعلان عدد من النواب تجميدهم عضويتهم، على غرار الناصر شويخ والمنصف السلامي ووفاء مخلوف، مستنتجاً ذلك من تغيبهم عن الاجتماعات الأخيرة. ولكن مخلوف نفت في تصريح لـ"العربي الجديد" تجميد عضويتها، مؤكدة بقاءها في صفوف الحزب ودعمها للتغييرات الأخيرة داخل الكتلة.
ولم ينف الرميلي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه من بين أسباب استقالة بلحاج من "النداء"، انتخاب طوبال على رأس الكتلة، قائلاً إنه لم يكن للهيئة السياسية كلمة في الموضوع، ولم تستمع الكتلة إلى رأي رضا بلحاج ومن معه الذين طلبوا التريث نظراً للوضع الدقيق للبلاد، لكن الكتلة قررت بشكل منفرد، ونظمت أيامها البرلمانية لانتخاب رئيس جديد، فيما حضر أعضاء من الهيئة السياسية من أجل التأثير ودفع النواب إلى اختيار أسماء محددة.
واعتبر الرميلي تجميد عضويته قراراً صائباً يمثّل جزءاً من الحل، قائلاً إن "مجرد وضع الإصبع على الداء داخل النداء والإشارة إلى مكامن الخلل الذي قد يعمّق تراجع الحزب، هو بداية الحل وإشارة الإنذار التي ستدفع بالجميع إلى الجلوس مجدداً على طاولة الحوار، للبحث عن حل فعلي"، وفق تقديره. وأضاف عضو الهيئة السياسية أن "الهيئة لها مهام مؤقتة، على رأسها تحضير المؤتمر الانتخابي للحزب والبحث عن توافقات، ويفترض ذلك البحث عن انسجام داخلها وانفتاحها على المحيط الخارجي وتوخي الحذر في التعاطي مع بقية الشركاء والحكومة والبرلمان وعدة مواضيع هامة أخرى"، مشيراً إلى أن "الواقع كشف عن أن مجموعة ضيقة داخل الكتلة النيابية قررت أن تعزل الكتلة عن الهيئة السياسية، معللة ذلك بأنها مستقلة وسيدة نفسها وقراراتها، ولها أن تفصل في المواضيع المطروحة عليها، في حين أن الهيئة ستكون مضطرة إلى الدفاع عن هذه القرارات وتحمّل مسؤوليتها السياسية".
يشار إلى أن قرار الكتلة بقبول عضوية نواب منسحبين من حزب "الاتحاد الوطني الحر"، على الرغم من معارضة الهيئة السياسية، كان سبباً رئيسياً من أسباب هذا الخلاف.
وتحدث الرميلي عن "الإساءات" التي لحقت ببلحاج في الفترة السابقة، من بينها منعه من حضور اجتماع للكتلة البرلمانية في البرلمان في أثناء مناقشة مشروع قانون البنوك والمؤسسات المالية، قائلاً إن التصرفات كانت غير لائقة وهي جزء من مؤشرات تحيل على أن الوضع في الحزب غير سليم والأجواء معكرة.


وتدافع الكتلة النيابية عبر عدد من النواب، عن تموضعها داخل الحزب، رافضة الكلام عن تهميش نبّه إليه عدد من أعضائها سابقاً واعتبروه أحد أهم أسباب ضعفها وتفككها وتفوق كتل أخرى مشاركة في الائتلاف الحاكم عليها سياسياً، وذلك لهامش القرار ورد الفعل الذي يتاح لتلك الكتل، في حين بقيت كتلة "النداء" إثر المؤتمر في خلاف مع الهيئة السياسية حول هذا الهامش، وحسمت الأمر بإجراء انتخابات واختيار قيادة جديدة، بالإضافة إلى التأكيد على استقلال قرارها عن الهيئة السياسية.
في هذا السياق، نفى رئيس كتلة "النداء"، سفيان طوبال، في حديث مع "العربي الجديد"، أن يكون هناك صراع بين الهيكلين (الكتلة والهيئة السياسية)، مشيراً إلى وجود تناقض في تبريرات الرميلي لتجميد عضويته، معتبراً أن الحديث عن عداء وإقصاء من الكتلة لبلحاج غير صحيح، بالنظر إلى أن الكتلة النيابية هي التي اقترحت وسعت لكي يكون بلحاج على رأس الهيئة، لافتاً إلى أنه ينبغي لبقية الهياكل في الحزب أن تأخذ بعين الاعتبار أن الاختيار في الكتلة كان على قاعدة الديمقراطية والانتخاب، مشدداً على أنه لم يكن لحافظ قائد السبسي أي تأثير على نتائجها.
وأضاف طوبال أن الكتلة النيابية تُعدّ رافداً من روافد الحزب، وأن عدداً من أعضائها هم أيضاً أعضاء في الهيئة السياسية، وهو ما يدحض القول بوجود إقصاء أو عزل أو تمرد من قبلها، مشيراً إلى أن أصل الإشكال يتمثّل في مطالبة الكتلة التي طال تهميشها سابقاً بموقع واضح وتحديد علاقاتها مع بقية مكونات الحزب.
ويتفق كلا الطرفين على أن الحل هو السير نحو المؤتمر الانتخابي للحزب والإعداد له، باعتباره المحطة الفارقة التي ستفرز توازنات جديدة على أسس ديمقراطية. وفي هذا الصدد، أعلن طوبال أن المؤتمر الانتخابي سيكون في شهر سبتمبر/أيلول المقبل، مشيراً إلى أن "الحزب ينكبّ على الإعداد له ليكون بذلك خاتمة كل الخلافات".
ويحيل الصراع الحالي، وتضامن الرميلي مع بلحاج، إلى صراع التيارات الفكرية داخل الحزب، وإلى تراجع الرافد اليساري داخل "النداء" وتقلّص دوره وسلطته وقدرته على التأثير في القرارات، وهو ما دفعه إلى الانسحاب أو تجميد العضوية للضغط على الأطراف المتبقية حتى تبحث عن توافقات معه.
في المقابل، لا يعترف نواب الكتلة بصراع الأطراف ولا بالأزمة الهيكلية بين الكتلة والهيئة التأسيسية، معتبرين أن ما صرح به الرميلي كان بهدف إكسابه وزناً أكبر في الحزب. وقال النائب، حسن العمري، في هذا الإطار، إنه لا مكان للحديث عن روافد داخل "النداء" خصوصاً بعد مؤتمر سوسة، الذي لولا الكتلة النيابية لفشل في الانعقاد وإخراج الحزب من الأزمة التي استمرت خلال الأشهر التي سبقته، وأن ما قام به الرميلي هدف إلى العودة إلى الضوء مجدداً بعد أن خفت تأثيره.
وأوضح أن الخلاف الحقيقي يدور حول تقرير مصير الكتلة واستقلاليتها، وأن تغيير قيادتها كان في صالحها على اعتبار أن رئيسها السابق، الفاضل بن عمران، كان يمثّل معضلة بدوره، مؤكداً أن عدداً من النواب الذين انشقوا عن "النداء" والتحقوا بكتلة "الحرة" برروا ذلك بوجود عوائق في التعامل مع بن عمران. وفي هذا الصدد كشف العمري لـ"العربي الجديد"، عن أن الاتصالات مع عدد من نواب كتلة "الحرة" في مرحلة متطورة جداً لإعادتهم إلى كتلة "النداء"، معتبراً أنه إذا تم ذلك فسيكون انتصاراً سياسياً هاماً، وبداية استعادة حزب "النداء" عافيته، وربما موقعه الذي أفرزته الانتخابات.