لم يشعل قانون المصالحة فتيل الخلافات في الشارع التونسي فقط، بل يبدو أنه سيساهم في تآكل الائتلاف الحاكم بعدما أثار الخلاف بين حزب "نداء تونس" والحزب "الجمهوري" بسبب دعوة هذا الأخير للتظاهر ضده.
وتوالت الانتقادات الموجهة لقيادات "الجمهوري" نتيجة ما اعتبره الندائيون "موقفاً متناقضاً" بين التوقيع على وثيقة قرطاج والدخول في الحكومة وبين الخروج للشارع للتظاهر ضد مشروع قانون المصالحة الذي قدمه رئيس البلاد الباجي قائد السبسي، صاحب مبادرة حكومة الوحدة الوطنية.
وكانت قيادات الحزب "الجمهوري" قد شاركت في مسيرة، السبت الماضي، ضد قانون المصالحة، رافعة شعارات ضد الفساد وضد حماية الفاسدين والعفو عنهم، لينضم بذلك إلى أحزاب ومنظمات وتجمعات شبابية شاركت في المسيرة.
ولم يستسغ "نداء تونس" موقف "الجمهوري" ليعتبر ذلك من قبيل ضرب منظومة الحكم التي ينتمي إليها عبر تعيين عضو مكتبه السياسي إياد الدهماني متحدثاً رسمياً باسم الحكومة. وأكثر من ذلك دعت بعض الشخصيات الندائية "الجمهوري" إلى مغادرة الائتلاف الحاكم لعدم انضباطه في مواقفه وقراراته.
وفسر عضو الهيئة السياسية لحزب "النداء" محمد رمزي خميس، في حديث لـ"العربي الجديد"، الموقف من "الجمهوري"، لافتاً إلى أن "النداء لا يدعوه لمغادرة الائتلاف بقدر ما يسأله بأن يعلن عن موقف واضح إما مع الحكومة أو ضدها".
وأضاف أنه "كان من الأجدر أن يناقش مضمون المشروع داخل الأطر لا أن ينزل للشارع في إطار حملة انتخابية مسبقة تمهيداً للانتخابات البلدية".
ووجه عضو مكتب كتلة "النداء"، في تصريحه لـ"العربي الجديد"، نقده لشخص الأمين العام للحزب الجمهوري، عصام الشابي، قائلاً إنه "لا نضالية تذكر لعصام الشابي، ومؤسسو الحزب الجمهوري معلومون للجميع وهم جميعهم التحقوا بالنداء في ما بعد على غرار سعيد العايدي ويوسف الشاهد وسليم العزابي"، معتبراً أن "مواقف الشابي متذبذبة وغير واضحة، وأن هذا الحزب الذي تحصل على مقعد في حكومة الشاهد في حد ذاته يعاني أمراضاً عضال فمؤسسه نجيب الشابي غادر نحو مشروع حزب جديد، ونجله التحق بحزب آخر ولم يبق غير عصام الشابي في هذا الحزب".
ولا يعتبر هذا الموقف بالجديد على أحزاب الائتلاف الحاكم التي وقعت على وثيقة قرطاج، وخاصة "النداء"، من بقية الأحزاب الصغيرة التي حصلت على حقائب وزارية في حكومة الشاهد كـ"المسار" و"الجمهوري" والمستقلين النقابيين، إذ عبروا آنذاك عن رفضهم التحاق أحزاب ذات نسبة تمثيلية ضعيفة أو منعدمة داخل البرلمان بالحكومة، بيد أن رؤية صاحب مبادرة وثيقة قرطاج فرضت التحاق أكثر ما يمكن من الطيف السياسي بطاقم يوسف الشاهد تحت عنوان الوحدة الوطنية. غير أن الموقف من قانون المصالحة أحيا مجدداً الخلاف.
في المقابل، رد أمين عام الحزب "الجمهوري" عصام الشابي، على تصريحات قيادات "النداء"، واصفاً إياها "بفتوى الجائعين" الذين يبحثون عن أي حجة للحديث واختلاق الأزمات، قائلاً إن "الندائيين يكشفون في كل مرة أنهم لا يزالون في الدرجة صفر سياسية ولم يتجاوزوها، ولا يخفى على أحد أن همهم الوحيد هو الحصول على حقيبة وزارية إضافية عبر إقصاء بعض مكونات الحكومة، وهو ما يكشف عن نظرة حزبية ضيقة وجشعة، متجاهلين الصعوبات التي تواجهها البلاد".
وشرح الشابي، لـ"العربي الجديد"، أن موقف "الجمهوري" من مشروع قانون المصالحة لم يتغير وثابت منذ أكثر من سنتين، وسبق أن عبر عن رفضه إياه والدعوة لسحبه، ونزوله لمسيرة "مانيش مسامح" ومساهمته في تنظيمها يعد في صميم الموقف من المشروع.
وأكد أمين عام "الجمهوري" أن السبسي طرح أثناء صياغة وثيقة قرطاج مسألة المصالحة الشاملة فجوبه برفض قاطع من "الاتحاد العام التونسي للشغل" وحزب "حركة الشعب" و"المسار" و"الجمهوري"، الذين أعربوا عن اعتراضهم على إدراج هذه النقطة باعتبارها خلافية ولا تستجيب لروح وثيقة قرطاج التي بنيت على الوحدة الوطنية.
وتابع "في حال لم تتضمن وثيقة قرطاج مبدأ المصالحة في نسختها النهائية ولا تعد من الأسس المتفق عليها لتكوين الحكومة، فإن الجمهوري غير ملزم بتغيير موقفه، بل أكثر من ذلك يعد من الابتذال مطالبته بتعديل تصوره في هذا الموضوع فقط بمجرد إسناد حقيبة وزارية له".