حكومة نتنياهو غير جاهزة لتهدئة طويلة الأمد مع "حماس"

02 سبتمبر 2015
إسرائيل لا تريد منح "حماس" شرعية دولية (الأناضول)
+ الخط -


تتزايد المؤشرات التي تؤكد إفشال إسرائيل لاتصالات تثبيت التهدئة مع حركة "حماس"، وآخرها ما كشفه رئيس قسم التخطيط الاستراتيجي في هيئة أركان الجيش الإسرائيلي سابقاً، الجنرال احتياط شالوم بروم، من أن حكومة بنيامين نتنياهو غير جاهزة في واقع الحال للتوقيع على اتفاق تهدئة طويل الأمد مع حركة "حماس".

وقال بروم، في دراسة تقدير موقف نشرها في موقع معهد أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، إنه على الرغم من النشر المتواتر في وسائل الإعلام عن قرب التوصل إلى اتفاق كهذا مع "حماس"، إلا أن حكومة نتنياهو غير مستعدة، عند الامتحان، لتثبيت اتفاق تهدئة طويل الأمد، وذلك لاعتبارات مختلفة ومتعددة.

وبعد أن استعرض عدداً من الأخبار والتصريحات المتعلقة بهذا الاحتمال، وآخرها تصريح مستشار رئيس الحكومة التركي ياسين أقطاي، بهذا الخصوص قبل نحو أسبوعين، وردود الفعل الرافضة والمتحفظة على احتمال كهذا من قبل كل من السلطة الفلسطينية في رام الله، والنظام المصري، أشار بروم إلى أن ردود الحكومة الإسرائيلية على هذه التقارير عكست في الواقع محاولة لخفض سقف التوقعات من هذه الاتصالات، لكنها لم تنفِ وجود الاتصالات والمحادثات بين "حماس" وإسرائيل.

وأكد بروم أنه على الرغم من كل الاتصالات والمساعي التي تمت منذ التوقيع على وقف إطلاق النار في 26 أغسطس/آب من العام الماضي، والمسار الذي كان يُفترض أن تأخذه المفاوضات، إلا أن الشروط التي حالت دون التوصل إلى اتفاق نهائي لوقف إطلاق النار لا تزال قائمة. وعلى رأس هذه الأسباب والعوامل، موقف الحكومة المصرية الحالية من حركة "حماس"، وانعدام التعاون من قِبل السلطة الفلسطينية، وامتناع الحكومة الإسرائيلية عن التوقيع على اتفاق رسمي مع "حماس" والثمن المطلوب منها مقابل هذا الاتفاق.

ومع تذكير بروم بما يترتب على موقف النظام المصري من "حماس" وترجمة ذلك على أرض الواقع، وسعيه المتواصل لإضعاف الحركة، إلا أنه لفت أيضاً إلى أن الوسطاء في الاتصالات الأخيرة هم "آخرون" وليسوا مصريين، لكن لا يزال موقف مصر مهماً بسبب قدرة المصريين في التأثير على مواقف كل من السلطة الفلسطينية وإسرائيل نفسها وأيضاً ممارسة ضغوط مؤلمة على حركة "حماس".

وفي الجانب الفلسطيني، أبرز بروم حقيقة الخصومة بين "حماس" والسلطة الفلسطينية، وسعي الأخيرة لإضعاف الحركة، وهو ما يفسر رفض السلطة الفلسطينية تحويل رواتب لغزة، مع توقّع سعيها لبذل كل جهد لإفشال اتفاق تهدئة مع "حماس" من شأنه أن يمنح سلطة الحركة في القطاع شرعية وقوة إضافيتين. كما تخشى السلطة من أن يكرس اتفاق التهدئة الفصل بين غزة والضفة الغربية (هنا أغفل بروم تصريحات قيادة حماس بأنه لن يكون اتفاق من دون توافق فلسطيني من قبل كافة الفصائل وبموافقة السلطة الفلسطينية).

وعند تناوله لاعتبارات ودوافع الحكومة الإسرائيلية، بقيادة نتنياهو، أكد بروم أن هذه الحكومة تمتنع عن التوقيع على اتفاقيات رسمية مع "حماس"، لأن ذلك سيمنح الحركة شرعية دولية، ويسهّل على فاعلين دوليين (أوروبا وتركيا) إقامة علاقات مع الحركة. ومع أن الحكومة الإسرائيلية لم تنفِ إجراء هذه الاتصالات، أو مجرد الحوار مع "حماس" على المستوى السياسي، عبر وسطاء، فإن ذلك نابع من افتقار محاولات نفي كهذه للمصداقية. مع ذلك تسعى إسرائيل إلى تحديد وخفض سقف هذا الحوار وحصره في القضايا المتعلقة بإدارة الحياة اليومية في القطاع، والمحافظة على "الهدوء الأمني" من خلال تفاهمات غير موقّعة.

اقرأ أيضاً: شروط إسرائيل تنسف تهدئة غزة: "حماس" ترفض "أوسلو2"

ولعل أهم ما أشار إليه بروم في هذا السياق هو أن حكومة نتنياهو لم تنتقل بعد، من عقلية وموقف إدارة الصراع مع "حماس"، إلى عقلية وتوجّه حل الصراع. ومع أنه حدد أنه كان يفترض بإسرائيل أن تخشى من أن يُضعف الاتفاق مع "حماس" شريكها في عملية السلام (منظمة التحرير الفلسطينية) إلا أن هناك شكوكاً بحسب بروم، من أن هذا هو السبب أو العامل الرئيسي الموجِّه للائتلاف اليميني الحاكم في إسرائيل.

وخرج بروم باستنتاج أن التقارير والأخبار التي نُشرت أخيراً بهذا الصدد، متأثرة، بحسب رأيه، بمصالح عدد من الأطراف الإقليمية القريبة من ساحة الاتصالات بين الطرفين. وفي هذه النقطة سارع بروم إلى اعتبار أن تركيا معنية بهذه التقارير لأنها تساهم في رفع أسهمها ومكانتها كعامل مؤثر تحتاج الأطراف الأخرى إلى وساطته، كما يخدم ذلك مصالح أخرى لتركيا، كتعزيز الوجود التركي في قبرص، علماً بأن هذا يثير شكوكاً حول مدى رغبة الحكومة الإسرائيلية بتعزيز مكانة تركيا الحالية وأن تدفع ثمن ذلك في علاقاتها المزدهرة مع كل من قبرص واليونان.

وينطبق الأمر ذاته، بحسب بروم، على حركة "حماس" التي "تضررت مكانتها بعد العدوان الأخير على غزة، وبالتالي فهي معنية باتفاق وقف إطلاق نار مع إسرائيل يخدم مصالحها".

في المقابل، رأى بروم أن السلطة الفلسطينية بالذات، معنية أكثر من غيرها، بتضخيم التقارير المتعلقة بالاتصالات بين "حماس" وإسرائيل لأن ذلك يوفر لها ذريعة سهلة لمهاجمة الحركة ويسهّل عليها السعي لضرب مكانة "حماس" وصورتها باعتبارها تمثّل "المقاومة الفلسطينية"، من خلال اتهام الحركة بالتفاوض مع الاحتلال والقبول بالفتات من على مائدته.

وخلص الجنرال الإسرائيلي السابق إلى أن المصلحة الإسرائيلية تقتضي التوصل إلى اتفاق تهدئة طويل في قطاع غزة، لأن الوضع الحالي هو بمثابة قنبلة موقوتة محكومة بالانفجار عاجلاً أم آجلا، وبالتالي على الحكومة الإسرائيلية بذل جهد لتحسين الوضع في القطاع. لكن هناك شكاً كبيراً في قدرة الحكومة الحالية على تغيير موقفها الأساسي من "حماس"، الذي يقوم على إدارة الصراع وليس السعي لحله. لذلك لا يوجد استعداد إسرائيلي للتوصل إلى اتفاق طويل الأمد، ودفع ثمن باهظ مقابل هذا الاتفاق. مع ذلك فإن مساعي تعميق التفاهمات مع "حماس" قد تتواصل، لكن فرص واحتمالات نجاح ذلك غير واضحة.

وختم بروم بالقول: "علينا أن نتذكر أن رفع سقف التوقعات من احتمالات تحسين الأوضاع في القطاع قد يكون خطيراً هو الآخر، لأن خيبة الأمل بعد ذلك قد تفاقم من الأوضاع القائمة في القطاع وتزيد من احتمالات انزلاق تداعيات ونتائج هذه الخيبة بصورتها العنيفة إلى إسرائيل أيضاً".

اقرأ أيضاً: دحلان وبلير بالقاهرة: مشاريع خلافة عباس وتخريب اتصالات التهدئة

المساهمون