ذكرى فاجعة مدرسة بيسلان الروسية: تحقيق مؤجل بمسؤولية السلطة

ذكرى فاجعة مدرسة بيسلان الروسية: تحقيق مؤجل بمسؤولية السلطة

03 سبتمبر 2019
تلقي نظرة على صورة لضحايا المجزرة (ييلينا أفونينيا/Getty)
+ الخط -
أنهت مدينة بيسلان الواقعة في جمهورية أوسيتيا الشمالية، جنوبي روسيا، استعداداتها لإقامة فعاليات تأبينية، اليوم الثلاثاء، من أجل إحياء ذكرى مرور 15 عاماً على حادثة احتجاز الرهائن في المدرسة رقم واحد، بين 1 سبتمبر/ أيلول 2004 و3 منه، التي أسفرت عن مقتل 334 شخصاً. وتعد هذه الفاجعة من أكثر الحوادث الإرهابية دموية في تاريخ روسيا، كما أنها أحدثت تغييرات هامة على منظومتها الأمنية والسياسية، بينما لا يزال العديد من أسئلة ذوي الضحايا بلا أجوبة حتى الآن. 

في 1 سبتمبر 2004، احتجز 34 مسلحاً من مجموعة "لواء شهداء رياض الصالحين" (انفصاليون شيشانيون) أكثر من 1100 شخص، بينهم 777 طفلاً، من التلاميذ والأساتذة وأولياء الأمور، أثناء حفل بداية العام الدراسي الجديد، مطالبين بانسحاب القوات الفيدرالية الروسية من جمهورية الشيشان في شمال القوقاز الروسي. وفي 3 سبتمبر، بدأت القوات الخاصة الروسية عملية عشوائية لاقتحام المدرسة التي لا تزال أسئلة غامضة تخيّم عليها وسط استمرار تساؤلات حول ما إذا كانت هناك إمكانية لتفادي هذا العدد الهائل من الضحايا. وعلى الرغم من تمكّن القوات الروسية من إنقاذ أغلبية الرهائن، إلا أن 334 شخصاً، بمن فيهم 186 طفلاً، سقطوا أثناء عملية الاقتحام. وفي عام 2017، أصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ، حكماً بإلزام روسيا بصرف تعويضات قدرها حوالي 3 ملايين يورو لذوي الضحايا، بعدما خرجت بنتيجة مفادها أن السلطات الروسية عجزت عن الوفاء بالتزامها بمنع التهديد المحتمل لأرواح الناس ولم تخطط لعملية الاقتحام بطريقة تقلّص من التهديدات لحياة الرهائن. لكن روسيا رفضت القرار في الدعوى التي رفعها 409 مواطنين روس.

في هذا الإطار، تناولت صحيفة "غازيتا.رو" الإلكترونية الروسية في مقال بعنوان "بيسلان: المدرسة رقم واحد" نُشر بمناسبة الذكرى الـ15 للفاجعة، أبرز الدروس التي استخلصتها روسيا، قيادة ومجتمعاً، من تلك الواقعة المأساوية. وذكّرت الصحيفة أن حادثة مدرسة بيسلان جاءت خاتمة لسلسلة من العمليات الإرهابية الدموية التي شهدتها روسيا في بداية القرن الـ21، بما فيها احتجاز الرهائن في مسرح "نورد أوست" في موسكو بين 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2002 و26 منه، وسقط فيها 130 قتيلاً، واغتيال الرئيس الشيشاني آنذاك، أحمد قديروف، أثناء استعراض عسكري في غروزني في 9 مايو/ أيار 2004، وتفجير طائرتي "توبوليف-154" و"توبوليف-134" في 24 أغسطس/ آب 2004، اللذين أسفرا عن مقتل 90 شخصاً.

وطرحت الصحيفة مجموعة من الأسئلة المتداولة حول مجزرة المدرسة، ومنها: هل كان التفاوض مع المسلحين وارداً ومبرراً؟ هل كانت مطالب سحب القوات الروسية من الشيشان قابلة للتنفيذ؟ كيف كان سيتصرف المنتقدون في حال وجدوا أنفسهم أمام ضرورة اتخاذ القرار وخياري "عدد كبير من الضحايا" و"عدد كبير جداً من الضحايا"؟ إزاء ذلك اعتبرت "غازيتا.رو" أن خيار "بلا ضحايا" لم يكن مطروحاً في ذلك الوقت، من دون أن يمس ذلك بحق ذوي القتلى في المطالبة بالكشف عن تفاصيل ما جرى.

تداعيات كثيرة ترتبت على فاجعة بيسلان، بما فيها إعادة هيكلة منظومة مكافحة الإرهاب في روسيا واستحداث مسؤولية شخصية لقائد العملية عن نتائجها. وعلى الصعيد السياسي، تم إلغاء الانتخابات المباشرة لحكام الأقاليم، ليتحمّل الكرملين المسؤولية عن توازن القوى في شمال القوقاز. وفي 10 يوليو/ تموز عام 2006، أسفرت عملية خاصة عن تصفية زعيم الانفصاليين الشيشانيين شامل باساييف. ومع ذلك، رأت "غازيتا.رو" أن الدرس الأهم الذي استخلصته السلطة الروسية كان تكثيف مكافحة الإرهاب والبدء بعد بيسلان تحديداً باستبدال مبدأ "الأمن مقابل الحرية"، على غرار ما حدث في الولايات المتحدة بعد الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر 2001.

وعشية الذكرى الـ15 لمجزرة بيسلان، أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز "ليفادا" ارتفاعاً في نسبة الروس الذين يحمّلون المسلحين وحدهم مسؤولية ما جرى من 39 في المائة عام 2014 إلى 51 في المائة حالياً، بينما لا يزال 34 في المائة يلقون باللائمة على الإرهابيين وأجهزة الأمن الروسية على حد سواء. كما ارتفعت نسبة من نسوا الحادثة أو لا يعرفون عنها من 4 إلى 9 في المائة.

في هذا السياق، أرجعت صحيفة "فيدوموستي" الروسية هذه التغييرات في الرأي العام إلى أن "البيروقراطية الحاكمة التي وقّعت منذ سنوات طويلة عقداً غير علني مع السكان العاديين بشأن مصادرة جزء من الحريات السياسية والشخصية مقابل الأمن، ليس من مصلحتها الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بعدم وفائها بالتزاماتها". وفي مقال بعنوان "هكذا ينسى الروس بيسلان"، اعتبرت الصحيفة أن السلطة الروسية تسعى للحد من النقاشات العامة حول الفاجعة بسبب العديد من الأسئلة المحرجة، ومنها كيفية وصول المسلحين من جمهورية إنغوشيا إلى أوسيتيا الشمالية وتجاوزهم نقاط التفتيش، وعدم تشديد حراسة المدرسة، ولماذا لم يتحمل المسؤولية عن سقوط الضحايا أحد، وغيرها. ومع بقاء هذه الأسئلة عالقة، كشف ذوو ضحايا بيسلان قبل أيام عن نيتهم التقدم مرة أخرى إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، معتبرين أن الدولة الروسية لم تجر تحقيقاً مدققاً في ملابسات اقتحام المدرسة. 

دلالات

المساهمون