محكمة اغتيال الحريري: اتجاه لاتهام "حزب الله" والنظام السوري

11 سبتمبر 2018
الحريري بوضع صعب (Getty)
+ الخط -

على الرغم من أن رواية الادعاء في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، التي بدأ بتقديمها في إطار المرافعات الختامية، تمهيداً لصدور الحكم الابتدائي، باتت معلومة للجميع، خصوصاً لجهة اتهام 5 عناصر من "حزب الله" بالوقوف خلف الجريمة، إلا أن الجلسة الافتتاحية للمرافعات، التي بدأت اليوم، وتستمر لـ15 يوماً، حملت الكثير من التفاصيل الجديدة، خصوصاً لجهة تأكيد الأدلة، والوصول إلى استنتاجات رئيسية لجهة تورط النظام السوري، وإن كان لا صلاحية للمحكمة لاتهام جهات أو منظمات أو دول.


انطلقت، صباح اليوم، المرافعات الختامية في لاهاي، واستهلت الجلسة بمرافعة الاتهام قبل أن يتحدث ممثلو الضحايا ثم الدفاع، بحضور رمزي لعدد من أسر الضحايا، وخصوصاً رئيس الوزراء سعد الحريري. واستحوذ مصطفى بدرالدين، القيادي في "حزب الله" الذي قتل في سورية، على الكثير من تداولات اليوم، على الرغم من كف التعقبات بحقه بعد مقتله، إلا أن هذا الاستحواذ يعود أساساً إلى دوره الرئيسي في عملية الاغتيال، بحسب توصيف الادعاء، خصوصاً أنه كان "مسؤولا كبيرا في حزب الله وخبرته العسكرية أوصلته لقيادة قوات الحزب في سورية وتجلت بطريقة تنفيذ اغتيال رفيق الحريري، وهو كان العقل المدبر لاغتيال الحريري".

ويعني التركيز على بدر الدين، اتهاماً ضمنياً لـ"حزب الله"، خصوصاً أن الادعاء أفرد مساحة واسعة للحديث عن حيثية بدر الدين، وأدواره التي لعبها ضمن الحزب، خصوصاً في سورية، بوصفه أحد قياديي الحزب الرئيسيين. وكان رئيس غرفة الدرجة الأولى القاضي ديفيد راي، قد استهل الجلسة بتفنيد التهم الموجهة، مشيراً إلى أن الجريمة "مؤامرة هدفها ارتكاب عمل إرهابي بما في ذلك قتل رئيس الوزراء السابق الرئيس رفيق الحريري في انفجار كبير في بيروت"، لافتاً إلى أنه وجهت تهمة ارتكاب عمل إرهابي باستعمال أداة متفجرة، وقتل الحريري عمدا باستعمال مواد متفجرة، وقتل 21 شخصا، ومحاولة قتل 226 شخصا، إلى سليم عياش"، كما وجهت إلى حسين عنيسي وأسد صبرا وحسن مرعي أربع تهم "متعلقة بالتدخل في ارتكاب الجرائم التي نصت عليها التهم الموجهة لعياش". وأكد أن غرفة الدرجة الأولى قررت عقد هذه الجلسات غيابيا ضد المتهمين الأربعة بالإضافة إلى مصطفى بدر الدين بعدما اقتنعت بأن كل الاعتبارات ذات الصلة المتعلقة بمحاكمة الأشخاص غيابيا كانت قد استوفيت، كما أنها "كفت الإجراءات ضد بدر الدين بعد اقتناعها بأنه قد توفي مع إمكانية استئناف الجلسات ضده لو تبين أنه كان لا يزال على قيد الحياة".

وفي خلاصة الجلسة بدا واضحاً، وفق رواية الادعاء، أن بدر الدين كان العقل المدبر للجريمة، وأن عياش كان قائد الوحدة المؤلفة من ستة أشخاص التي نفذت عملية الاغتيال، واستناداً إلى ذلك سميت القضية "عياش وآخرين"، إضافة إلى الأدوار التي لعبها المتهمون الآخرون، خصوصاً لجهة تضليل الرأي العام والتحقيقات عبر التسجيل الذي تبنى فيه أحمد أبو عدس التفجير.

وبدا واضحاً من سرد الادعاء أن المنفذين حاولوا جاهدين تصوير العملية على أن من نفذها هم متطرفون إسلاميون، خصوصاً بعد تسجيل أبو عدس، كما من خلال شراء السيارة التي نفذت عبرها العملية، من مدينة طرابلس الشمالية، المعروف أنها تضم غالبية من الطائفة السنية.

وفي إطار اتهام النظام السوري و"حزب الله" مباشرة، فقد تحدث الادعاء بوضوح عن هذا الدور، مشيراً إلى أن "النظام السوري في صلب مؤامرة اغتيال رفيق الحريري"، وأن "الشبكة الخضراء التي قادت اغتيال الحريري تابعة تماما لحزب الله"، كما في السرد التاريخي لما سبق عملية الاغتيال سياسياً، خصوصاً العلاقة المضطربة بين الحريري والنظام السوري.

واستعمل الادعاء مراراً تعابير للتأكيد على أهمية الأدلة وحجمها إن كان عبر الحديث عن المستندات، و"داتا" الاتصالات، والشهود، واصفاً إياها بأنها "أدلة دامغة، ومقنعة وقوية وموضوعية". وينتظر أن تستكمل المحكمة جلساتها على مدار 15 يوماً لتتبعها دراسة معمقة للقضاة الخمسة على مدار أشهر، قبل أن يصدر الحكم الابتدائي في الربع الأول من السنة المقبلة، فاتحاً بذلك مجالاً لاحتمال طلب الاستئناف من قبل فريق الدفاع. وحملت مشاركة الحريري في الجلسة رمزية معينة، خصوصاً أنه يحضرها فيما مساعيه لتأليف حكومة لا تزال متعثرة، وسط مخاوف جدية من احتمال انعكاس جلسات المحكمة على الداخل اللبناني، بما أن الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله استبقها قبل أيام بالتحذير من اللعب بالنار.
وبدا واضحاً من خلال حديث الحريري، أنه متمسك بالمعادلة التي أعلنها قبل أعوام وتحديداً في العام 2014 عندما دعا إلى فصل مسار عمل المحكمة عن المسار السياسي الداخلي، ومن خارج المحكمة أعاد التذكير بهذا الموقف، قائلاً: "أتيت إلى لاهاي منذ سنوات عدة وقلت كلاما استغربه البعض".
وفصل الحريري في سياق حديثه بين صفته كرئيس وزراء وبين حضوره كنجل رفيق الحريري، خصوصاً عندما كرر التأكيد أن الحريري "سقط من أجل حماية لبنان وليس من أجل خرابه"، وأن "العدالة والحقيقة تحميان لبنان"، وضرورة عدم اللجوء إلى الثأر لأن "رفيق الحريري لم يكن يوما رجلا يسعى للثأر بل كان رجل عدالة".
وتوقعت مصادر سياسية عبر "العربي الجديد"، ألا تنعكس مداولات الجلسات الختامية على الداخل اللبناني أو على مساعي تأليف الحكومة، خصوصاً أن مواقف الحريري كانت واضحة في هذا الإطار وشُجاعة، كما أن الساعات الأخيرة قبل انطلاق الجلسات شهدت اتصالات للتأكيد على ضرورة حماية الاستقرار في الداخل اللبناني.



ووفق ذلك، قال الحريري: "نحن في بلد نعيش فيه مع بعضنا البعض ونريد أن نعيش مع بعضنا البعض لمصلحة البلد"، لكنه في المقابل لم يتنازل عن حق المحاسبة أو معرفة من اغتال والده، عندما قال: "كل من ارتكب هذه الجريمة سينال عقابه عاجلا أم آجلا ولو أن هذا الموضوع استغرق وقتا".