التجنيد الإلزامي في العراق بين دعم الأحزاب الموالية لإيران ورفض الكتل الكردية

21 اغسطس 2019
تأتي الدعوات لإحياء الملف عبر الأحزاب المدعومة إيرانياً(فرانس برس)
+ الخط -

عاد الحديث في العراق عن "التجنيد الإلزامي" أو ما يُعرف بخدمة العلم، الذي ترفضه الأوساط الشعبية في البلاد. ويظهر مشروع التجنيد في العراق كل سنة تقريباً، ليُحدث ضجة إعلامية ويتضح للكيانات السياسية الراغبة به حجم الغضب الذي يلاحق هذا القانون المرتبط عند العراقيين بنظام صدام حسين، حتى يختفي ومن ثم يظهر بعد مدة، وهكذا.

وتأتي الدعوات لإحياء الملف المُجمد في البرلمان منذ سنوات دائماً عبر الأحزاب المدعومة من إيران، وأبرزها حزب "الدعوة" و"منظمة بدر"، ومع تمدد النفوذ الإيراني خلال الدورة البرلمانية الحالية التي تمثلت بكتلة "الفتح"، التي تضمّ الفصائل المسلحة، مثل "عصائب أهل الحق وكتائب سيد الشهداء" وغيرهما، باتت المطالبات تحمل طابعاً أقوى من السابق، معللة ذلك في كل مرة بأن "التجنيد الإلزامي له أهمية في إعداد الشباب وتأهيلهم لمواجهة التحديات، وأنه يُبعد المؤسسة العسكرية عن الولاءات والتجاذبات السياسية والطائفية والمناطقية وأي خلافات تتخلل العملية السياسية لتبقى مؤسسة الشعب والوطن، والمدافع الحقيقي عن سيادته وكرامته".

وبرزت أولى الدعوات خلال الدورة البرلمانية الحالية من عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي كريم عليوي، وهو قيادي في "منظمة بدر" التي يقودها هادي العامري، وقد تأسست في ثمانينيات القرن الماضي في إيران.

عليوي كان قد صرّح لوسائل إعلام عراقية بأن التجنيد الإلزامي "هو السبيل لجذب إقليم كردستان لطاعة الحكومة المركزية في بغداد"، مبيناً أن إقراره سيُطبق على كل العراقيين بما فيهم الكرد.

لكن القيادي في المنظمة أوضح في اتصال مع "العربي الجديد"، أن "مشروع قانون التجنيد الإلزامي موجود في البرلمان العراقي منذ سنوات، ومعظم الكتل السياسية من الشيعة والسنة موافقة عليه، إلا أن الكتل الكردية ترفض إقراره، ويتعطل في كل عام لهذا السبب، لأن الكتل الكردية تعرف أن تطبيقه سيجعل إدارة الإقليم تتراجع عن الاستعلاء على الحكومة في بغداد، كما أنه سيقلل من حجم الإنفاق على قوات البشمركة الكردية، وتكون بغداد مطلعة تماما على ما يجري في أربيل".

وأضاف أن "خدمة العلم ستؤدي إلى تذويب الجيش العراقي والحشد الشعبي والبشمركة ضمن منظومة أمنية واحدة ترجع إمرتها إلى بغداد، وتكون تحت قيادة رئيس الحكومة".

في المقابل، تُصرّ الأحزاب الكردية على عدم شمول أبناء إقليم كردستان بقانون التجنيد الإلزامي في حال إقراره بالبرلمان العراقي، وقد أكد النائب عن الحزب "الديمقراطي" الكردستاني بشار الكيكي ذلك في تصريح صحافي، قائلاً إن "موضوع التجنيد الإلزامي بحاجة إلى دراسات معمقة، وأوضاع البلاد لا تسمح بذلك، لكن هناك حاجة ماسة إلى تطوير مؤسسات الدولة وإعادة هيكلتها وليس مجرد التفكير بتوفير فرص عمل للشباب عن طريق التجنيد، وهي في المحصلة لا تعد فرص عمل حقيقية".

وبيَّن الكيكي قائلاً "نحن ضد عسكرة المجتمع وهذا التوجه لا يأتي بنتائج إيجابية مع وجود هذا الكم الهائل من الأجهزة الأمنية، كالجيش والشرطة والحشد الشعبي وقوات البشمركة ومكافحة الإرهاب. حتى أنه (التجنيد) لا يساهم في التماسك بين أبناء البلد كما يشاع، إنما توفير الخدمات وفرص العمل والموازنة بين الحقوق والواجبات هو الذي يحقق ذلك، وأن الفكرة غير قابلة للتطبيق وستزيد النقمة الشعبية على الحكومة والدولة في حال إقرار القانون".

وبحسب بيان رسمي سابق لوزارة الدفاع، فإن قانون "التجنيد الإلزامي" في حال تمريره عبر البرلمان، سيشمل الفئات العمرية من سن 19 إلى 45 عاماً، كما سيعتمد على التحصيل الدراسي في مدة الخدمة، إذ إن خريجي الدراسة الابتدائية سيخدمون لمدة عام و4 أشهر، فيما سيخدم خريجو المرحلة الإعدادية لمدة عام واحد، وخريجو درجة البكالوريوس 9 أشهر فقط، بينما خريجو درجة الدراسات العليا (الماجستير والدكتوراه) سيعفون من الخدمة نهائياً.


حرب سياسية

من جهته، أشار قائد عسكري برتبة لواء من وزارة الدفاع، إلى أن "الوزارة غير مستعدة لهذا الملف، إذ إنها ما زالت تهتم بتأمين الحدود وتطوير فرقها الاستخباراتية، مع وجود تهديد مستمر من تنظيم داعش الإرهابي، وملف التجنيد الإلزامي والدورات التدريبية للشباب العراقي يحتاج إلى استرخاء بالأوضاع الأمنية وكوادر تدريبية إضافية".

وبين اللواء، الذي فضل عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن "كل ما يحدث حالياً في البرلمان العراقي هو حرب إعلامية، إذ إن الجهات التي تطالب به لديها خلافات مع الأحزاب الكردية، أي أنها حرب سياسية لا أكثر، ولا تدرك حجم ملف خدمة العلم الذي يحتاج إلى أموال كثيرة وسلسلة من التوصيات. حتى لو قلنا إنها تمكنت من إقراره خلال العام الحالي أو العام الجديد، فإن الشروع بتطبيقه سيحتاج إلى عامين أو أكثر، من أجل إكمال معسكرات خاصة للمجندين الجدد وغيرها من الأمور اللوجستية التي تحتاج إلى وقت".

من جانبه، وصف القائد السابق للاستخبارات العسكرية في العراق وفيق السامرائي، مشروع قانون التجنيد الإلزامي المعروض على البرلمان حالياً، بأنه "خطأ شنيع"، في تدوينة على "فيسبوك"، وقال إن "التكليف الإلزامي تقييد لحرية الفرد إلا في حالات الحرب الواسعة التي لا تكفي فيها أعداد المتطوعين"، مبيناً أنه "لم يظهر نقص في التطوع في حرب داعش".

وأضاف السامرائي: "إذا كانت الغاية تنشيط الشباب فيمكن العودة إلى نظام الكشافة والجوالة"، مؤكداً أن "الأكراد لن يخضعوا للخدمة الالزامية إلا إذا وافق مشرعو الإقليم، لذلك لن يكون هناك اندماج وطني، وإن شكل الجيش المطلوب الآن هو أن يكون قليل العدد واختصاصات خاصة وضاربة، أي قوة مدربة كالنمور، وهذا يتطلب سنيناً، وعصر الجيوش الكبيرة الجرارة قد انتهى".

وعُلّق العمل بقانون الخدمة الإلزامية عام 2003 بعد الاحتلال الأميركي للعراق، بعد حل الجيش بقرار من الحاكم المدني الأميركي آنذاك بول بريمر، بعد أن كان قانونها يعد من أعرق القوانين في تاريخ الدولة العراقية الحديثة، إذ تم تشريعه للمرة الأولى في منتصف عام 1935.

وخلال الأعوام الماضية قدم نواب عراقيون مقترح قانون الخدمة الإلزامية للبرلمان بغرض المصادقة عليه وتفعيله، إلا أنه أُهمل بسبب الخلافات السياسية بشأنه، بالتزامن مع الحملات الإلكترونية التي يتداولها الشبان لرفض الفكرة.

يشار إلى أن الجيش العراقي تأسس عام 1921، وأولى وحداته تأسست خلال الانتداب البريطاني للعراق، فشُكّل فوج "موسى الكاظم"، واتخذت قيادة القوة المسلحة مقرها العام في بغداد. تبع ذلك تشكيل القوة الجوية العراقية عام 1931 ثم القوة البحرية عام 1937، ووصل تعداد الجيش إلى ذروته في بداية حقبة التسعينيات، ليبلغ عدد أفراده مليون فرد.