تيارات حزب "المحافظين" تضيّق الخناق على تيريزا ماي

13 سبتمبر 2018
غياب التناغم قد يؤدي لتحدي زعامة ماي للحزب (Getty)
+ الخط -
يمر حزب المحافظين البريطاني بأزمة داخلية تتجلى في المعارضة المستمرة لسياسات رئيسة الوزراء البريطانية وزعيمة الحزب، تيريزا ماي، خصوصاً ما يتعلق بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ومستقبل العلاقة معه بعد مارس/ آذار 2019. ويتمثل أحد هذه الأجنحة بالفريق الذي يمثله وزير الخارجية المستقيل والمثير للجدل، بوريس جونسون، الذي ما فتئ ينتقد بريكست وماي، بل ويبرز اسمه مرشحاً لخلافتها في حال أسقط نواب الحزب ثقتهم بها، بينما ظهر فريق آخر في المعسكر المضاد يمثله الحقوقي دومينيك غريف، الذي تسبب لماي بصداع مزمن نظراً لتحالف كتلته مع الأحزاب المعارضة لإجبار ماي على اتخاذ موقف أقرب لأوروبا.

وفي الساعات الأخيرة الماضية، ازدادت الضغوط على ماي من داخل حزبها، إذ ناقش خمسون نائباًً عن "المحافظين" من متشددي الطلاق مع أوروبا، قبل يومين، خيار الإطاحة برئيسة الوزراء من زعامة الحزب، كضغط عليها في سبيل إرغامها على التخلي عن خطة تشيكرز للتفاوض مع الاتحاد الأوروبي. وناقش النواب الذين ينتمون إلى مجموعة الأبحاث الأوروبية المؤيدة للخروج من الاتحاد الأوروبي، الخيارات المتاحة أمامهم للإطاحة بماي، وخاصة موعد طرح التصويت بنزع الثقة عنها رسمياً. إلا أن زعيم المجموعة جاكوب ريس موغ، والذي تغيب عن الاجتماع، صرح أمس بأن هدف المجموعة "ليس الإطاحة برئيسة الوزراء بل إجبارها على التخلي عن خطة تشيكرز"، ورفض في هذا السياق دعم "تآمر" زملائه ضد ماي.

وعن أسباب التباين الواسع في مواقف حزب المحافظين، يقول المحاضر في جامعة "ساسكس"، والمختص في السياسة البريطانية، بول ويب، لـ"العربي الجديد"، إنه "عند النظر بشكل عام إلى حزب المحافظين أعتقد بوجود ثلاثة تيارات في حزب المحافظين وفقاً لموقعهم على الطيف العقائدي بين اليمين واليسار، والليبرالية والسلطوية". ويضيف "بدايةً، هناك النزعة التي تجمع بين المواقف السلطوية الاجتماعية (وهي قومية على العموم) والتي تفضل التوجه الاقتصادي اليميني وعدم التدخل في اقتصاد السوق. يعرف هؤلاء بالتاتشريين، إذ إن هذه السياسات مرتبطة برئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر، والتي لا تزال تحظى بتأييد في صفوف الحزب. ثانياً، هناك تيار مماثل من حيث السلطوية الاجتماعية والاعتزاز بالتقاليد، لكنه غير مهتم جداً باقتصاد السوق الحر، ويقبل هؤلاء بإمكانية الإنفاق وفرض الضرائب بهدف توفير خدمات عامة ملائمة، تحت مسمى دعم التجانس الاجتماعي. ويصنف هؤلاء ضمن تقليد الأمة الواحدة المحافظ. وتتميز هذه الفلسفة السياسية بتفضيل النظام الأبوي لقيادة المجتمع نحو التجانس وتوفير مصلحة الجميع، من دون إلغاء الفوارق الطبقية". ويتابع "أخيراً، هناك المجموعة التي تفضل السوق الحر والضرائب المنخفضة التي يعتز بها التاتشريون، لكنهم أقل تسلطاً من الناحية الاجتماعية، ويؤمنون بالاستقلال والحرية الفردية فوق كل شيء (وهم على السبيل المثال يدعمون الزواج المثلي)، ويعرف هؤلاء بالمحافظين الليبراليين".

ويعود هذا التنوع العقائدي داخل حزب المحافظين إلى محاولته توسيع قاعدته الشعبية قدر الإمكان. ويقول ويب إن "جميع الأحزاب السياسية هي عبارة عن تحالفات من أشكال مختلفة من اللاعبين. وحاول حزب المحافظين البريطاني، وهو من أقدم الأحزاب السياسية في العالم، جاهداً الوصول إلى أكبر قدر ممكن من الأفراد تحت اسم المصلحة الوطنية. ولكي يستطيع الوصول إلى مختلف الناخبين من مختلف الطبقات الاجتماعية، كان من الضروري أن يبعث الحزب برسالة متوازنة. ولذلك فإنه يحظى بدعم من يؤيدون السياسات الاقتصادية والاجتماعية اليمينية، وأيضاً من الأطراف الأكثر وسطية. كما يدعمه أيضاً الأفراد أصحاب النزعة القومية والسلطوية وآخرون ممن يعتزون بالتنوع والليبرالية الاجتماعية. كما أن الاختلافات في صفوف المحافظين قد تنبع من الاختلاف الشخصي بين قادته، مثل (تيد) هيث مقابل تاتشر أو (جون) ميجور مقابل (كينيث) كلارك أو جونسون مقابل ماي".




وتأتي معضلة العلاقة مع أوروبا، والتي دائماً ما كانت محط خلاف في صفوف الحزب، لتفاقم من الشروخ الموجودة بين تيارات الحزب. ويعلق ويب على ذلك بقوله "كانت العلاقة مع أوروبا دائماً صعبة بالنسبة للمحافظين، لأنها دائماً ما تؤلب أحد أجنحة الحزب ضد الآخر. ومن الجانب الإيجابي، فقد نالت العلاقة مع أوروبا دعم مؤيدي اقتصاد السوق الحر، بسبب الإمكانية الاقتصادية للتجارة الحرة مع السوق الأوروبية الضخمة، ولكن من الناحية الأخرى، تزعج هذه العلاقة مؤيدي العقلية القومية الذين يرونها تهميشاً للسيادة الوطنية. ويمكن رؤية هذه الخلافات منذ حكومة هارولد ماكميلان التي حاولت التفاوض على دخول بريطانيا للسوق الأوروبية المشتركة في ستينيات القرن الماضي". ويتابع "أما في الحزب هذه الأيام فإن النزعات القومية، مثل محافظي الأمة الواحدة، خصوصاً التاتشريين، أكثر قبولاً بالبريكست، بينما المحافظون الليبراليون يميلون للجانب الآخر. ويعد التياران السابقان (الأمة الواحدة والتاتشريون) الأكبر في قاعدة الحزب خارج البرلمان"، وهو ما يعكس ميول الحزب أكثر نحو اليمين.

ويؤدي هذا الاستقطاب الشديد بين الليبراليين والقوميين في صفوف الحزب إلى الصدام في مجلس العموم، والاتهامات المتبادلة بمحاولة سرقة مستقبل البلاد تحت ذريعة احترام نتيجة استفتاء بريكست. ويعتقد ويب أن غياب التناغم هذا "قد يؤدي إلى تحدٍ لزعامة ماي للحزب، وإن كان من الصعب تحديد زمانه"، إذ يسعى متشددو بريكست، وعلى رأسهم جونسون وجاكوب ريس موغ، لأخذ زمام الأمور والدفع نحو تطبيق رؤيتهم لمستقبل بريطانيا بعد بريكست. ويقول ويب إن "الغالبية تعتقد أن تحدي زعامة ماي للحزب لن يحدث حتى ما بعد بريكست في 29 مارس/ آذار 2019، لكن هذا الأمر ممكن في حال حصل البريكست حينها فعلاً، فهناك إمكانية حقيقية لفشل المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي أو أن يرفض مجلس العموم الاتفاقية المحتملة. ويقامر ذلك بالخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق، وهو ما يحمل تبعات كارثية، وقد يدفع إلى الإطاحة بماي".
لكن يبقى هناك سيناريو بألا يتقدم أحد لتحدي ماي، ففي حال لم يحدث هذا الأمر، فإنه سيكون بسبب عدم حصول أي من المنافسين على الدعم الكافي بين برلمانيي الحزب لتحدي ماي. وكذلك فإنه في حال تم الاتفاق على صفقة مع الاتحاد الأوروبي، تنال دعم مجلس العموم والبلاد، فسيكون من الصعب تحدي ماي. ولكن، في الوقت ذاته، وحتى إن لم تكن ماي ذات شعبية، إذا اعتبر نواب حزب المحافظين أن جميع منافسيها غير مؤهلين، فإنها قد تستمر في منصبها لغياب المنافسة.

المساهمون