"حقيبة المسؤولية" في العراق

19 مايو 2020
رمزية الانتقال السلمي للسلطة (المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي)
+ الخط -
"حقيبة المسؤولية" التي سلّمها عادل عبد المهدي لمصطفى الكاظمي، خلال مراسم تسليم رئاسة الوزراء في العراق، تحولت إلى محطّ سخرية العراقيين على وسائل التواصل الاجتماعي. هذه المشهدية لا تعكس حداثةً أو مأسسة في أدوات الحكم، لكن رمزيتها تبقى في أهمية الانتقال السلمي والدوري للسلطة في بلدٍ عانى الاستبداد والغزو الخارجي والحروب الداخلية. أعلن الكاظمي أن العراق "لن يكون ساحة لتصفيةٍ الحسابات"، والتنفيذ العملي لهذا الشعار هو الحرص على التوازن في استرضاء الأطراف الخارجية والمحلية. يطالب رئيس الحكومة الجديد بمراجعة الاتفاقية الاستراتيجية مع واشنطن التي تحدد طبيعة دور قواتها في العراق، وهو يعيد في المقابل الفريق الركن عبد الوهاب السعدي، المقرب من وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إلى منصب قائد قوات مكافحة الإرهاب. يأخذ الكاظمي كلَّ الخطوات الممكنة لمحاولة كسب ثقة المتظاهرين، كذلك يصبح أول رئيس حكومة عراقي يرتدي زي "الحشد الشعبي" العسكري، في مسعىً لطمأنة قادته المنقسمين بين مرجعية النجف والولاء لإيران.

ابتعاد الكاظمي عن الأضواء خلال توليه رئاسة جهاز الاستخبارات جعله شخصيةً غير استفزازية وغير مستهلكة بعد في السياسة العراقية، وهذا التوصيف هو سرّ قوته وضعفه في آن واحد. استرضاء الأطراف الخارجية يساعد على استقرار العراق، لكنه يعزز انتهاك سيادته عبر استمرار تعايش المصالح الأميركية - الإيرانية. الكاظمي لا هو قادر على حماية القوات الأميركية ولا على طردها، لا على احتضان فصائل "الحشد" الموالية لإيران، ولا على تقييدها. لكن مجرد وصوله إلى الحكم هو استعادة للتوازن الأميركي - الإيراني في العراق، في ظلّ انقسامات بين حلفاء طهران حول وجوب الضغط على القوات الأميركية في هذا البلد، ضمن الأجندة الإيرانية بعد مقتل قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني.

العراق المُنهك يواجه تحدي تقليص اعتماد إيراداته على عائدات النفط التي تتراجع أسعارها عالمياً، وضرورة إجراء إصلاحات جذرية. لكن مهمة الحكومة الجديدة يبدو أنها تقتصر على إدارة أفضل لأزمات بنيوية في النظام والأمن والاقتصاد، لأن بقاء الكاظمي في السلطة يبقى رهينة عدم استعداء واشنطن أو طهران. "حقيبة" مراسم انتقال السلطة، هي عدّة الشغل، لكن "المسؤولية" هي حماية مصالح العراقيين من فساد النظام السياسي وداعميه في الداخل والخارج.

المساهمون