الانسحاب الأميركي من معاهدة الأسلحة يمهد لسباق تسلح نووي

الانسحاب الأميركي من معاهدة الأسلحة: تمهيد لسباق نووي وتأجيج للتوتر مع موسكو

27 أكتوبر 2018
تطورت الأسلحة كثيراً منذ عام 1987 (سيرغي بوبيليف/Getty)
+ الخط -


مع عزم الولايات المتحدة المضيّ قدماً نحو الانسحاب من معاهدة "الأسلحة النووية متوسطة المدى"، اعتبر محللون روس أن هناك تأثيراً مرتقباً لهذه الخطوة على الأمن الدولي والعلاقات الروسية الأميركية، التي تمرّ أصلاً بأكبر أزمة منذ انهيار الاتحاد السوفييتي (1991) وانتهاء "الحرب الباردة" (1947 ـ 1991).

في هذا الإطار، أشار الخبير بمركز بحوث قضايا الأمن التابع لأكاديمية العلوم الروسية، قسطنطين بلوخين، إلى أن "الانسحاب الأميركي من المعاهدة يرجع إلى مجموعة من العوامل، وفي مقدمتها التوجه نحو ردع روسيا والصين"، مقللاً في الوقت من نفسه من "أهمية القرار بالنسبة إلى موسكو". وأضاف بلوخين في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "يعكس رفع الميزانية العسكرية الأميركية إلى 717 مليار دولار وتبني العقيدة النووية الجديدة، سعي الولايات المتحدة لردع روسيا والصين. إلا أن الاتفاقية في حد ذاتها التي كانت من أدوات الحرب الباردة باتت قديمة، في ظل تصميم أنواع أسلحة أخرى أكثر تطوراً مقارنة بعام 1987، وأصبحت هناك صواريخ عالية الدقة يمكن نشرها بحراً مثل توماهوك".

منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي، لم تعد الصواريخ الباليستية العابرة للقارات التي تستغرق فترة وصولها إلى الهدف عشرات الدقائق، تشكل أي خطر في ظل إدراك واشنطن وموسكو السوفييتية أن منظومة "الردع النووي" ستؤدي إلى تدمير العدو بضربة جوابية. ونتيجة لذلك، باتت الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى تشكل أكبر مصدر للخطورة على الطرفين المتخاصمين، نظراً لقدرتها على إصابة منصات الإطلاق ونقاط القيادة في ظرف دقائق معدودة.

إلا أن بلوخين استبعد احتمال وقوع صدام مباشر بين روسيا والولايات المتحدة حتى بعد انسحاب هذه الأخيرة من المعاهدة، قائلاً: "ستصبح أوروبا رهينة للعلاقات بين موسكو وواشنطن بعد نشر صواريخ أميركية في بلدان مثل رومانيا وبولندا ودول البلطيق، ولكن الولايات المتحدة لن تهاجم روسيا إلا بعد تأكدها من النصر تأكيداً كاملاً، ولكنها غير متأكدة منه حتى بحق كوريا الشمالية، فلا مجال للحديث عن روسيا".

واعتبر أن "القرار الأميركي سيلحق ضربة بالأمن القومي الصيني أكثر منه بروسيا"، مضيفاً أن "الانسحاب من المعاهدة سيفتح مجالاً لنشر الصواريخ في اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان، أي الدول الآسيوية المستعدة لردع الصين، كما أنه سيزيد من إشغال قطاع التصنيع العسكري الأميركي".



من جهته، رأى الخبير العسكري الروسي، دميتري كورنيف، أن "الولايات المتحدة أعلنت بانسحابها، في الواقع، عن نيتها خوض سباق التسلّح"، مذكراً بأن "معاهدة الصواريخ شكًلت أكبر معاهدة لتقليص بضعة أنواع من الأسلحة النووية من قبل القوتين العظميين".

وفي مقال بعنوان "تداعيات بعيدة المدى" نُشر بصحيفة "إزفيستيا" الرسمية الروسية يوم الأربعاء الماضي، رجح كورنيف أن "واشنطن تسعى بذلك لتطوير منظومات برية مزودة بصواريخ توماهوك وجاسيم، ذات كلفة منخفضة نسبياً وقدرة على تحديد الأهداف أثناء التحليق، ويصعب اعتراضها بواسطة وسائل الدفاع الجوي".

أما الرد الروسي، فلخصه الخبير العسكري في مواصلة برامج تصميم الصواريخ المجنحة الأرضية والبحرية من فئات "إكس-101" و"إكس-50" و"كاليبر"، بالإضافة إلى زيادة عدد منصات الإطلاق وتطوير منظومات الصواريخ ووسائل الاستطلاع وتحديد الأهداف.

وكان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قد أعلن في 20 أكتوبر/تشرين الأول الحالي عن انسحاب بلاده من المعاهدة، بينما حمّل مستشار الأمن القومي الأميركي، جون بولتون، الذي زار روسيا مطلع الأسبوع الحالي، روسيا المسؤولية عن فسخ الاتفاقية بسبب ما قال إنه "انتهاكاتها المتكررة".

إلا أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، اعتبر في تصريحات صحافية مساء الأربعاء الماضي، أنه "لم يتم تقديم أي أدلة على مثل هذه الانتهاكات التي وصفها بأنها ذريعة للانسحاب"، مؤكداً على "قدرة روسيا على الرد بسرعة وفاعلية". وأثار قرار ترامب فور إعلانه، حفيظة الكرملين الذي أعرب على لسان المتحدث باسمه، دميتري بيسكوف، عن قناعته بأن "مثل هذه الخطوات، في حال اتخاذها على أرض الواقع، ستزيد من خطورة الوضع في العالم".

من جهتها، اعتبرت قناة "زفيزدا" العسكرية الروسية أن "الولايات المتحدة تحتاج إلى الانسحاب من المعاهدة لتطوير أنواع جديدة من الأسلحة، وإثارة التوتر بين روسيا وأوروبا، والضغط على الصين". يذكر أن موسكو وواشنطن أبرمتا في عام 1987 معاهدة "الحدّ من الأسلحة النووية متوسطة المدى" من شأنها منع إنتاج ونشر صواريخ مجنحة وباليستية أرضية ذات مدى من 500 إلى 5500 كيلومتر.


المساهمون