دعوة تسليح الأمازيغ وانفصالهم في الجزائر: قنبلة صوتية؟

11 يونيو 2018
تعتبر السلطة أنها منحت الأمازيغ حقوقهم (رياض كرمادي/فرانس برس)
+ الخط -
مرت أيام على دعوة زعيم حركة انفصالية في الجزائر، مقيم في باريس، إلى حمل السلاح ضد السلطات في مناطق الأمازيغ، من دون أن تلقى أصداء واسعة، لا في الجزائر ولا في خارجها. وتبدو السلطات غير قلقة حتى الآن من الدعوة إلى التسلح والانفصال، كذلك تبدو الدعوة غير مقنعة لطيف واسع من الأمازيغ أنفسهم، حتى القوميين منهم.

وكان فرحات مهني، زعيم الحركة الانفصالية "الحركة من أجل استقلال منطقة القبائل" (ألماك)، ومدير ما سماها "حكومة منفى" غير معترف بها من قبل أي طرف، لإدارة منطقة القبائل، وغالبيتها من الأمازيغ، قد دعا إلى إنشاء "قوة حماية شعبية في المنطقة تحل محل الأجهزة الأمنية الجزائرية" التي وصفها بـ"المحتلة"، وإلى "إنشاء جهاز أمني مسلّح في منطقة القبائل يحلّ محل السلطات الأمنية الجزائرية، على طريقة قوات حماية الشعب الكردية في سورية"، تمهيداً لما اعتبره "تحقيق حلم استقلال منطقة السكان الأمازيغ".

وفي تطور لافت لمساعي الحركة الانفصالية "الحركة من أجل استقلال منطقة القبائل"، قال مهني في اجتماع لقيادات حركته في لندن إنه "كي يصبح هذا الاستقلال حقيقة، أنادي سكان القبائل والشعب القبائلي لقبول تكوّن منظومة حماية وهيئة للأمن". واعتبر مهني أنه "يجب أن نستبدل السلطة الاستعمارية بسلطة قبائلية. أدعو شبابنا في منطقة القبائل إلى الانخراط في هذا الجهاز المسلح، الذي سيكون خطوة جديدة في طريقنا الطويل للاستقلال". وادّعى أن "قوات الأمن الجزائرية تقمع الطلبة في المنطقة"، مضيفاً أن "أبناءنا يذهبون إلى مدارس الاغتراب وتقوم قوات الأمن الاستعمارية (يقصد الجزائرية) بقمعهم في كل مرة يخرجون للاحتجاج". وأشار إلى أن "السلطة الجزائرية ستحاول أن تعزلنا سياسياً أو تصفيتي جسدياً، لكننا لن ندخر جهداً لتعويض السلطة الجزائرية في منطقة القبائل بسلطة قبائلية".



ويخوض مهني منذ سنوات وحركته مساعي من أجل الاعتراف بحكومة القبائل في المنفى، وتنظيم لجان لمساندة حركته في المنطقة، لكنها المرة الأولى التي يدعو فيها زعيم حركة "ألماك" إلى رفع السلاح وإنشاء قوة أمنية موازية على طريقة "قوات حماية الشعب الكردية"، بعدما نجحت حركته نسبياً في حشد تأييد عدد من سكان المنطقة والناشطين. وهو ما برز بوضوح خلال المسيرات التي نظمتها الحركة في مدن المنطقة، وفي المناسبات المرتبطة بالقضية الأمازيغية. كما ظهر في مسيرات 20 إبريل/ نيسان الماضي، مع استقطاب عدد من الطلاب والنشطاء والإعلاميين. ومن شأن دعوة هذه الحركة إلى إنشاء جهاز شعبي مسلح في المنطقة، ومع جملة المخاطر التي تتضمنها، من محاولات استغلال العامل الإثني والعرقي والخصوصيات الثقافية لمنطقة القبائل، أن تخلق مأزقاً داخلياً جديداً في الجزائر، في ظلّ إخفاق السلطة في تكريس الديمقراطية والحريات في الفضاء العام والتضييق على المجتمع المدني والنقابات، إضافة إلى الإخفاقات الاقتصادية والاجتماعية التي تعتقد حركة "ألماك" أنها "عوامل تلعب لصالح مواقفها"، وبدعم أطراف، بينها إسرائيل، التي لا ينكر فرحات مهني علاقته بها وقد سبق له زيارتها في وقت سابق، مؤكداً أن وضع ما يصفه "بالشعب القبائلي هو نفسه وضع الشعب الإسرائيلي".

لا تبدي السلطات الجزائرية قلقاً كبيراً، أو على الأقلّ بشكل ظاهر، من دعوات كهذه، وخصوصاً أنها تعتقد إلى حدّ بعيد أنها أنهت بشكل كامل النزاع حول القضية الأمازيغية، وحققت كل المطالب الثقافية للسكان الأمازيغ في منطقة القبائل وأحدثت مصالحة سياسية مع المنطقة بعد عقود من التوتر والمحطات الدامية، كالربيع الأمازيغي في إبريل 1980 واضراب المحفظة عام 1994، والربيع الأسود في يونيو/ حزيران 2001. كما تعتبر الحكومة أنها أقرّت دستورياً باللغة الأمازيغية كلغة رسمية ووطنية في البلاد، وأنشأت أكاديمية لترقية اللغة، ونجحت في استقطاب أبرز الرموز الثقافية للأمازيغ إلى صفها، كالفنان الشهير لوناس آيت منقلات، والفنان إيدير. بالتالي لا تأخذ على محمل الجد دعوات فرحات مهني للسكان الأمازيغ لإنشاء قوة أمنية، خصوصاً أن الأحزاب التقليدية الممثلة للمنطقة، كجبهة القوى الاشتراكية والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، تقف في وجه دعوات الانفصال التي تطرحها حركة "ألماك".



لكن الدعوة الأخيرة وجدت سريعاً ردوداً ومواقف سياسية، تحديداً من الناشطين المدافعين عن القضية الأمازيغية، الذين حذّروا السلطة من التماهي مع منجزاتها السياسية والثقافية لإغفال خطورة هذه الدعوات. واعتبر الكاتب المتخصص في القضية الأمازيغية محمد أرزقي فراد، أن "ما أدلى به فرحات مهني زعيم دعاة الانفصال في منطقة القبائل، بشأن دعوة سكان منطقة القبائل إلى تشكيل مليشيات مسلّحة كبديل عن سلطة الدولة الجزائرية، لا شك أنه تصريح خطر جداً، لأنه تجاوز عتبة حرية التعبير التي كان المثقفون في منطقة القبائل والجزائر يقرونها له من باب الحرص على احترام الثقافة الديمقراطية". وقلّل فراد في حديث لـ"العربي الجديد"، من أن "تجد دعوة كهذه صدى في المنطقة"، مؤكداً أن "منطقة القبائل لم تكن في ماضيها البعيد والقريب، جزيرة مجنونة تعادي الوحدة الوطنية التي ساهم أبناؤها بفعالية في بناء صرحها فكرياً وسياسياً. وعليه فإن تاريخها من هذه الناحية يدعو إلى الارتياح، وإلى استبعاد احتمال تحوّلها إلى حاضنة للفكر الانفصالي الخطر". لكنه حذّر في الوقت نفسه من "إمكانية تغير المعطيات وتوفر ظروف ما لصالح هذه الحركة على حساب الوحدة الوطنية". وأكد أن "صناعة الواقع لا تخضع في جميع الحالات للتاريخ والمنطق، ومن هنا وجب الشعور بالقلق إزاء هذا الكابوس المسمى بالفكر الانفصالي. هذا التصريح وقع كالصاعقة على رؤوسنا، علينا أن نستحضر الحكمة التي مفادها أن معظم النار من مستصغر الشرر. لا أحد كان يتصوّر إعصار الحروب الأهلية في الوطن العربي، من لبنان إلى ليبيا، لكن ما كان مستبعداً صار واقعاً يزرع الخراب والدمار، بفعل تضافر عاملين اثنين هما المظالم الداخلية والمطامع الخارجية".

مع فارق السياقات والظروف، أعادت تصريحات فرحات مهني إلى أذهان الجزائريين الدعوة التي وجهها عام 1991 الرجل الثاني للجبهة الإسلامية للإنقاذ المنحلة علي بلحاج، حين هدّد بحمل السلاح ضد الدولة، وفُهم حينها بأنه انزلاق سياسي وإنها دعوة واضحة لأنصار جبهة الإنقاذ للتعبئة المسلحة لحماية الشعب. ما دفع السلطة إلى اعتقاله لاحقاً، بتهمة تهديد الأمن الجمهوري. ويعتقد محللون أن "الصورة نفسها تتكرر في ظروف ومعطيات مغايرة بالدعوة الجديدة لفرحات مهني، وهي تعني نهايته السياسية وتحوله إلى مطلوب أمنياً من قبل السلطات الجزائرية، لكنها تعبر أيضاً عن حالة يأس سياسي".

وقرأ المحلل السياسي المتحدر من منطقة القبائل حسن خلاص، الوضع بأن "اقتراح فرحات مهني لإقامة نظام أمني بديل عما يصفه بنظام الجزائر المحتل، هي صيحة يأس طبعاً وتخبط ورغبة في الخروج من البطالة السياسية. وهناك عوامل عدة لا تخدم هذا النداء، منها أنه غير قابل للتجسيد عملياً وموضوعياً، وعدم استعداد المنطقة لقبوله، لأن النظام الاجتماعي يحتوي البعد الأمني المدني على شكل يقظة في تعاون تام مع السلطات". واستدرك في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "صحيح أن أجيالاً بأكملها في منطقة القبائل عرفت مواجهات مع قوات الأمن لكنها كانت مواجهات سلمية باستثناء أعمال الشغب الموجودة في كل مكان. ومثل هذه الخطوة لفرحات مهني ستجعل من السهولة تصنيف حركته كتنظيم إرهابي وبالتالي تكسب محاربته شرعية وانخراطاً واسعاً داخل المنطقة، فضلاً عن أن القوى السياسية التقليدية تعد الخصم اللدود لهذه الحركة قبل السلطة".



لكن خلاص حذّر بشدة من أن "تقدم السلطة على إعطاء قراءة أمنية مباشرة للقضية، وتقدم على إجراءات وقائية واستباقية لعسكرة المنطقة"، وقال إنه "في المقابل، ما يمكن أن يتخوف منه هو أن تتخذ السلطة مثل هذه النداءات كذريعة لعسكرة المنطقة وتشديد القبضة الأمنية، ما قد يؤثر على الحريات المكتسبة في المنطقة دون غيرها". وأيده في هذا التحذير الناشط السياسي والكاتب المهتم بالقضية الأمازيغية رابح لونيسي، الذي عبّر عن مخاوفه من "وجود أطراف من النظام تخدمها تصرفات مهني كي تحوله إلى بعبع تستخدمه لتثبيت سلطتها، ومن المهم بالنسبة للسلطة عدم الوقوع في اللعبة السياسية لحركة ألماك، ومواجهة سكان المنطقة كلها، وهو ما سيعطيه فرصة لتقوية ذاته، ففرحات مهني لا يمثل أي كتلة في المنطقة".
****************************************

فرحات مهني وإسرائيل
زعيم حركة استقلال منطقة القبائل فرحات مهني، مغنٍ جزائري وناشط سياسي معارض قبل إقرار التعددية السياسية في الجزائر بعد انتفاضة أكتوبر/ تشرين الأول 1988. وهو عضو مؤسس للتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية عام 1989، وكان ضمن ركاب الطائرة الفرنسية التي اختطفتها الجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر عام 1995، قبل تحريره ضمن الرهائن في مطار مارسيليا الفرنسي. وفي عام 2002، أسس فرحات مهني حركة الاستقلال الذاتي، وعقد مؤتمراً تأسيسياً في ولاية تيزي وزو عام 2007، طالب فيه باقرار حكم ذاتي في منطقة القبائل، وأعلن عن إنشاء حكومة منفى وعمل على استصدار بطاقة هوية وجواز سفر قبائلي، لا تعترف به أي دولة في العالم. وفي عام 2012، استُقبل مهني في إسرائيل بصفته رئيساً لحكومة القبائل.
***********************************
منطقة الأمازيغ: معلومات أساسية
تضم منطقة القبائل ذات الأغلبية من السكان الأمازيغ ثلاث ولايات رئيسية، هي تيزي وزو وبجاية والبويرة، القريبة من العاصمة الجزائرية، بمجموع سكان يقارب الثلاثة ملايين نسمة يتحدثون اللغة الأمازيغية. شهدت المنطقة مراحل توتر في علاقتها بالسلطة المركزية بسبب الخصوصية والمطالب الثقافية للمنطقة، خصوصاً ما يتعلق بالاعتراف باللغة والهوية الأمازيغية كمكون وطني. عرفت المنطقة أول تمرد مسلح في تاريخ الجزائر عام 1963 بقيادة القائد الثوري حسين آيت أحمد. وفي إبريل 1980 حدثت أول تظاهرة للمكون الأمازيغي، وتجدد ذلك عام 1994 في إضراب عن الدراسة، وفي الربيع الأسود في يونيو 2001.

المساهمون