وقد جسّدت مواقف سودر وتطلعاته القيادية محاولة طموحة منه لإبراز نفسه كرجل دولة ناضج لإدارة الأزمات، والساعي لتغيير الفكرة السائدة بأن حضور حزبه محدود على امتداد مساحة البلاد، وهذا ما أشارت إليه صحيفة "ديرشبيغل"، معتبرة أنه في حال وجود منافسة سرية بين المرشحين المحتملين لمنصب الاستشارية عن الاتحاد الديمقراطي المسيحي، فإن سودر سيكون متقدماً في السباق حالياً.
في السياق، رأت صحيفة "آبند تسايتونغ" أن مهارة السياسيين تبرز في الأزمات الكبرى، مذكرة بما قام به المستشار السابق، الاشتراكي غيرهارد شرودر، عام 2002، عند خشيته من عدم إعادة انتخابه، وكيف لجأ إلى ارتداء سترة شتوية وحذاء مطاطي لمشاركة عمال الإنقاذ عند كارثة فيضان نهر الإلبه، ليتصدّر بعدها الأرقام في استطلاعات الرأي ضد خصمه من الحزب البافاري إدموند شتويبر. وسبق لسودر أن تساءل في أوقات سابقة عن سبب بقاء منصب المستشار حكراً على الشقيق الأكبر، الاتحاد الديمقراطي المسيحي، معتبراً أن زعامة الحزب شيء ومنصب المستشار شيء آخر. وحذّر في هذا الإطار من دعم مرشح للمنصب عن الاتحاد الديمقراطي المسيحي قبل عام ونصف العام من الانتخابات العامة، التي يفترض تنظيمها قبل 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، موعد انتهاء ولاية البوندستاغ (البرلمان الفيدرالي الألماني).
في المقابل، يؤخذ على سودر فشله في الحدّ من حضور اليمين الشعبوي في بافاريا. كما أنه وجد في إدارة أزمة كورونا فرصة للخروج عن خط التحالف، ما قد ينتج عنه وضع مزعج للاتحاد الديمقراطي المسيحي. وقد أبرزت صحيفة "دي فيلت" كيفية سعي سودر إلى تظهير بافاريا كمثال يحتذى به، ومحاولاً تصوير نفسه أنه الرجل الجدير بالثقة، في وقت وصفت فيه الصحيفة عينها لاشيت بـ"الشخصية الرصينة لكن المترددة".
في هذا الصدد، اعتبرت "آبند تسايتونغ" أن لاشيت وسودر يعلّقان آمالاً كبيرة على دخول ديوان المستشارية، مشيرة إلى أن الأزمة غيّرت بالفعل أسلوب التعاطي السياسي في التنسيق على مستوى البلاد وميزان القوى أيضاً. ولفتت إلى أن الرجلين بذلا جهدهما لتجنب منح الانطباع بوجود نزاع بينهما، على الرغم من تكثيف حضورهما أمام الإعلام للفت أنظار الجمهور. إلا أن العلاقة بينهما انفجرت خلال مؤتمر عُقد عبر الفيديو، ضمّ رؤساء حكومات الولايات وميركل، إذ اتهم لاشيت سودر بالتفرد في القرار في بافاريا والخروج عن الإجماع على مستوى البلاد، لتتدخل ميركل وتعمل على تهدئة الوضع بينهما.
وفي سياق قراءة حظوظ المرشحين، أكد خبراء أن على لاشيت هزم منافسيه لزعامة المسيحي الديمقراطي، وهما فريديريش ميرتز ونوربرت روتغن، قبل طرح نفسه مرشحاً للمنافسة مع سودر، الذي يرغب بالتخلي عن منصبه الآمن في بافاريا من أجل منصب غير مؤكد في برلين. وإذا ما تبين أن سودر، السياسي، هو الأكثر قدرة في الأزمة، خصوصاً مع مضيه قدماً في طرح التدابير والأفكار، فعلى الجميع داخل الاتحاد الديمقراطي المسيحي أن يدعموه ليكون المرشح لمنصب الاستشارية. ويرى كثر أن سودر تصرف بشكل جيد وقوي في أزمة كورونا، فقد كان أول من أعلن إغلاق المدارس ورياض الأطفال، في وقت كان الآخرون لا يزالون يناقشون الأمر، كما اعتمد مبكراً سياسة تقييد الخروج من المنازل للحدّ من تفشي كورونا، خصوصاً أن مقاطعة بافاريا على تماس مع بلدان أوروبية أخرى ظهر فيها الفيروس (جمهورية التشيك والنمسا)، فيما أبدى لاشيت مرونة أكثر متعاطياً بتردد مع الأزمة، وفقاً لصحيفة "فست دويتشه تسايتونغ".
من جهته، رأى الباحث السياسي في جامعة برلين الحرة كلاوس شرودر، في حديثٍ لموقع "واتسن"، أن الاشتراكي شولتز أثبت مصداقيته في التعاطي خلال إدارته للأزمة، عدا عن أنه ناب عن ميركل بعد اضطرارها لعزل نفسها في الحجر الصحي. وأضاف أنه "سيتعين علينا، العام المقبل، مراقبة قدرة الاشتراكي على أن يكون حاضراً بقوة أمام حزب الخضر"، متحدثاً عن إمكانية تشكيل ائتلاف مع الخضر والليبرالي الحر مستقبلاً. ولفت شرودر إلى أن شولتز هادئ وجاد وواقعي ورصين، وإذا تنافس مثلاً مع وزير الصحة المنتمي إلى حزب ميركل، ينس شبان، الذي يبدو أكثر ثقة من زميله لاشيت، فإن الحملة الانتخابية ستكون مثيرة للاهتمام. وشدّد على أن الحزب البافاري يدرك صعوبة تحقيق النتائج على المستوى الفدرالي، على الرغم من أن سودر هو الأكثر شعبية حالياً نتيجة تصرفه بحزم، إلا أنه يعلم جيداً قصتي فشل فرانز جوزيف شتراوس (1980)، وإدموند شتويبر (2002)، وهذه أمثلة تحذيرية بالنسبة إليه.