انتخابات جنوب لبنان: صوت خافت بوجه حزب الله و"أمل"

23 مايو 2016
من انتخابات جنوب لبنان أمس (حسين بيضون)
+ الخط -
قبل ساعات قليلة من إقفال صناديق الاقتراع البلدي في محافظتي جنوب لبنان والنبطية، كانت الرسالة السياسيّة الأبرز قد سُمعت، ومفادها بأنه في الجنوب صوت آخر غير تحالف حزب الله وحركة أمل. وظهر الاعتراض بوجوه مختلفة، خصوصاً لرفض الأداء الفاشل للبلديات السابقة، وهو أداء يرقى في العديد من البلديات إلى الفساد. يُردّد الأهالي أن المسؤولين في حزب الله وحركة أمل طلبوا منهم عام 2010 القبول بمبدأ "إبقاء القديم كما هو"، وهو المبدأ الذي بُني على جوهر التحالف بين الثنائي الشيعي. فالبلديات التي فازت "أمل" برئاستها عام 2004، استمرت بترأسها في انتخابات 2010، وفي رئاسة لائحة "الوفاء والتنمية" (وهو الاسم المعتمد للوائح الثنائي الشيعي)، في هذه الدورة. والحال عينه ينطبق على البلديات التي فاز حزب الله برئاستها عام 2010. إذاً، هي عمليّة تكريس "للزعامات" الحزبية وسطوتها على البلدات منذ 12 عاماً بشكلٍ يظهر وكأنه تحالف سياسي ديمقراطي. من هنا، خرجت بعض الأصوات المعترضة، مع أنها تدور سياسياً في فلك حزب الله وحركة أمل، وقرر المعترضون مواجهة القرار الحزبي، وهم الذين وعدوا أن ما جرى عام 2010 لن يتكرر عام 2016... لكنه تكرّر.

يتغلّف هذا الاعتراض بالطابع العائلي. في العمق، هو تفلت من قبل بعض الحزبيين أو المقربين من الأحزاب من قرار قيادتهم الحزبية. هناك من اقتنع بأن قيادته قد تخطأ أحياناً، وأنها ليست معصومة كما رُوّج يوماً.

من الظلم حصر الاعتراض بالعامل الأول. فيوم أمس، خرج اليسار من سبات عميق، من الحزب الشيوعي، وما تبقى من منظمة العمل الشيوعي واليسار الديمقراطي، والشخصيات اليسارية والديمقراطية. أنعش الحراك المدني، وانعكاسه على الانتخابات الداخليّة في الحزب الشيوعي، وضع اليسار عموماً في الجنوب الذي كان يوماً ما عقر دار اليسار. شُكلّت لوائح جمعت أطيافاً يساريّة كانت لسنوات سابقة تضع الخلاف في ما بينها أولويّة أولى. 

عودة اليسار إلى الساحة تبدو استعراضية في المرحلة الحالية، بما أن المشروع لا يزال غائباً. الموقف بين اليساريين من قضايا أساسيّة مهمّة ليس موحّداً. أبرز هذه الخلافات الموقف من حزب الله وسلاحه وقتاله في سورية. وُضع هذا الأمر جانباً، لأن المعركة هي "داخل البيت الشيعي". سعى حزب الله، عبر مناصريه، إلى وضع القتال في سورية في قلب المعركة الانتخابية. رفض معارضوه الأمر. أصروا على المعنى الإنمائي والمحلي للمعركة.




لعضو كتلة الوفاء للمقاومة (كتلة حزب الله النيابيّة) علي فياض رأي آخر، فهو قال بعد الإدلاء بصوته إن "هذه الانتخابات تأتي في ظل سلسلة من المناسبات الشديدة الأهمية، أولاً هو 15 شعبان ذكرى ولادة الإمام المهدي، وهو على مقربة من ذكرى التحرير، وبالإضافة إلى ذلك يأتي بعد الحدث الكبير باستشهاد القائد الجهادي الكبير مصطفى بدر الدين (...) خيارات الناس في هذه المنطقة واضحة على المستوى السياسي، وهم يؤيدون بثبات ورسوخ خيار المقاومة المدعوم من حركة أمل وحزب الله، وبالتالي فإن من الطبيعي أن يترجم هذا الأمر على مستوى اللوائح". منطق فياض هذا يعني أن من يُصوّت ضد لوائح الحزب وحركة أمل هو معارض لهذا الخيار السياسي، وأن انخفاض نسبة التصويت عن انتخابات 2010، يعني اعتراضاً بطريقة سلبية على هذا الخيار السياسي. 


وقد كانت المؤشرات قبل ساعتين من إقفال صناديق الاقتراع تفيد بأن نسبة التصويت في الجنوب أدنى من تلك التي سُجّلت عام 2010. وتُرجم هذا الأمر بسعي من الثنائي لسحب المرشحين المعارضين للوائحه، لإعلان فوزها بالتزكية، وهو ما وثقته الجمعية اللبنانيّة لديمقراطية الانتخابات (LADE)، إذ رصدت الجمعية "مخالفات مرتبطة بممارسة الكثير من الضغوط على المرشحين للانسحاب حتى بعد انقضاء مهلة سحب الترشيح (يوم الإثنين) من منطلق تشجيع التزكية، وفي ذلك مصادرة واضحة لحق المرشحين في المنافسة الديمقراطية ولحق الناخبين في الاقتراع واختيار ممثليهم". ولفتت الجمعية إلى رصد 55 مخالفة في محافظة الجنوب و177 في محافظة النبطية، لا سيما حالات ضغط شديد على الناخبين (من ضمنها حجز بطاقات الهوية، تركيب كاميرات مراقبة في مركز اقتراع) وضغوط على المرشحين، خاصة في بلدة كفرصير، مما استدعى تدخل وزارة الداخلية والبلديات لتأجيل الانتخابات فيها بعد أخبار عن الضغط على الناخبين لعدم التوجه للمشاركة في العملية الانتخابية.

وكما كانت نسبة الاقتراع معركة أساسيّة لحزب الله، كانت كذلك لتيار المستقبل في صيدا. يُريد التيار رفع نسبة المشاركين لضمان فوز لائحته بشكلٍ كامل. فالتيار لا يحتمل خضّة إضافيّة بعد نتائج انتخابات بيروت وعرسال وبعض بلدات إقليم الخروب في جبل لبنان. أما منافس تيار المستقبل، أي التنظيم الشعبي الناصري، فالمعركة بالنسبة له معركة أحجام. ربما المنتصر الواضح منذ فتح صناديق الاقتراع، هي الحالة الإسلامية التي استطاعت فرض نفسها ترشيحاً في المدينة، بعدما كانت حالة الشيخ الموقوف أحمد الأسير حالة مرفوضة بالكامل أمنياً وسياسياً.

بدورها، تميّزت معركة قضاء جزين بإجراء الانتخابات النيابيّة الفرعية (على مقعد واحد لاستبدال النائب الراحل ميشال الحلو)، حيث بدت حظوظ المرشّح أمل أبو زيد مرتفعة، وهو المدعوم من الأحزاب المسيحيّة في وجه إبراهيم عازار، وهو مرشّح آل عازار، ومدعوم عادةً من حركة أمل، والتي أعلنت أنها على الحياد في هذه الانتخابات.