ذكرى ميلاد: أنطونين أرتو.. مسرح القسوة وقرينه

09 أكتوبر 2018
(أرتو، من تصميم غلاف مجموعة مراسلاته)
+ الخط -

في كتابه "المسرح وقرينه" (ترجمة سامية أسعد، 1973)، طرح المسرحي الفرنسي أنطونين أرتو (1896 – 1948، يقابل اليوم 4 أيلول/ سبتمبر ذكرى ميلاده) فكرة "مسرح القسوة"، وقد تحوّلت بسرعة إلى مساحة جديدة في فضاء الفن الرابع دون أن يقف عنده، حيث نجد أثرها في الفن التشكيلي وفي الشعر وفي الفلسفة.

العمل الذي صدر في 1938 استُقبل كتنظير في المسرح، ولكن لم يكن ذلك سوى قراءة من بين قراءات ممكنة أخرى، فهو أيضاً نص إبداعي، إذ لم يمنع الطرح النظري مؤلفه أن يكتبه في أسلوب راديكالي، حارٍ وقاس، يقوم على الكثافة والبحث عن وقع في خيال القارئ ومشاعره، قبل مخاطبة فكره. وهذا الأسلوب الذي اعتمده أرتو كان تجلّياً آخر عن "مسرح القسوة".

كانت الفكرة، أو الرؤية، جزءاً من موجة مضادة للواقعية التي اكتسحت الفن والأدب في نهاية القرن التاسع عشر، وأخذت تنظّر لحصر الإبداع في إتقان إعادة إنتاج الواقع. ومن جهة أخرى كانت أفكاره انعكاساً لما ضخّته الفلسفة الوجودية من شعور قاتم بالعيش في العالم، هكذا كان "مسرح القسوة" دعوة إلى التعبير عن هذه المعاناة، بمواجهتها على الخشبة، لا بإيجاد تنفيسات أو مسكّنات، أو بعباراته فإن على مسرح أن "ينقل الجوّ الخانق الذي نعيش فيه".

كثيراً ما ربط قارئو سيرته هذه الرؤية الحادة للمسرح وللعالم بما عاشه أرتو طوال حياته من صعوبات صحية، وهم في ذلك يقفون على تشابه مع سيرة الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه، وقد كان متأثراً به. لم تمنع الأمراض أرتو أن يكون رجل مسرح يتنقل برشاقة بين مختلف مواقعه، ككاتب ومخرج وممثل، ويجسّد أفكاره في مشاريع على الأرض أبرزها مساهمته في تأسيس "مسرح ألفريد جاري" في باريس، والذي سيكون في نهاية الثلاثينيات لسان حال "مسرح القسوة" حتى قبل أن يصدر الكتاب الذي سيأسسّه نظرياً.

مع دوره في التوعية والإشباع الجمالي، ينبغي للمسرح بحسب أرتو أن يقدّم رؤية ميتافزيقية للواقع، إنه لحظة يقظة، قلباً وأعصاباً، والعبارة له أيضاً، داخل مسارات الحياة. كان يطمح بذلك أن يعيد للمسرح بُعداً مقدّساً فقده منذ المأساة الإغريقية، وعثر عليه المنظّر المسرحي الفرنسي في أشكال فرجة، آسيوية خصوصاً، يغفل عنها المسرح الغربي لسقوطه في مركزيته النرجسية.

انفتاح أرتو على مشهد الثقافات الأخرى كان له، ربما، أثر في سهولة نقل مسرحه بعيداً عن قواعده الأولى. وقد وجد المسرح العربي في أفكاره مرتكزات للتعبير عن واقع ينطبق إلى حد كبير عن العالم كما كان يرسمه المنظّر الفرنسي، وقد فعل القمع بالنفوس أكثر مما فعله "الوعي الوجودي" في فترة ما بين الحربين.

المساهمون