مملكة آل سلمان

08 نوفمبر 2017
+ الخط -
في فندق يليق بالمقام، اعتقل أمراء ووزراء ورجال أعمال كبار في السعودية في انتظار التفاوض معهم بشأن تنازلهم عن مليارات الدولارات التي ستخرج من حساباتهم إلى خزينة الدولة المثقلة بأعباء الحرب في اليمن والجزية التي أخذها دونالد ترامب، وتكاليف رؤية 2030.
زلزال سياسي كبير ضرب في السعودية، وأسفر، في سابقةٍ من نوعها، عن اعتقال أمراء كبار من العائلة المالكة، واحتجاز رجال أعمال كبار يزنون مئات مليارات الدولارات. والشعار الكبير الذي جرت تحته عملية الحزم هذه هو محاربة الفساد، وهو شعار غريب عن مملكة النفط التي لا حدود واضحة فيها بين المالين، العام والخاص، وبين السلطة والبزنس، وبين السوق وقصور الحكم. لكن ولأن لكل معركة صداها في الشارع، اختار محمد بن سلمان الذي يقود البلاد بيد من حديد هذا الشعار الشعبي، لكي يصفّي حساباته مع طرفين كبيرين: البيت الداخلي للحكم الرافض ولاية عهده والرافض حصر الملك في أسرة آل سلمان ومنع الباقي من إرث الجد الأكبر عبد العزيز، والرأسمال السياسي الذي أظهر تبرماً واضحاً من خطط الشاب الذي يقترب كل يوم من تسلم مفاتيح العرش في بلاد غارقةٍ في التقليد، ومحاطة بكم هائل المخاطر والتعقيدات الداخلية والإقليمية والدولية.
قبل أن يصدر الأمر الملكي بتشكيل لجنة حصر المخالفات والجرائم المالية، كانت السلطات السعودية قد ألقت القبض على أكثر من مائة رجل أعمال، يتقدّمهم الوليد بن طلال الذي يملك أكثر من 18 مليار دولار، وأودعتهم في الحجز، وبدأت التفاوض معهم حول الحصة التي سيتنازلون عنها من ثرواتهم لصالح خزينة الدولة، في مقابل إسقاط تهم الفساد والرشوة وتبييض الأموال والاغتناء غير المشروع عنهم، ولأن المباغتة جزءٌ من الخطة، فإن كل شيء تم قبل الإعلان عن تشكيل هيئة غير قضائية، في بلادٍ لا سلطة تعلو فيها على سلطة ولي الأمر.
الملك سلمان وابنه محمد (33 عاماً) يؤسسان للملكية الثانية في السعودية، حيث يطويان صفحة مملكة عبد العزيز، ويفتحان صفحة مملكة آل سلمان، حيث لا وجود لحكم العائلة التي يتوارث فيها أبناء عبد العزيز المُلك. باعتقال أمراء كبار، وإزاحة من بقوا من تركة الملك الراحل عبد الله.
تسعى ضربة القصر هذه إلى تثبيت حكم الشاب الصاعد إلى العرش في حياة والده، وإزاحة كل مراكز قوى من وجهه، سواء من أعمامه أو أبنائهم، ومحاولة تصوير أركان وازنة من الأسرة الحاكمة أطرافاً فاسدة، ومرتشية، ولا تستحق الاسم الذي تحمله. وهذه الخطوة الثالثة في مسيرة تنصيب محمد بن سلمان حاكماً بأمره في السعودية، بعد قرار إعفاء الأمير مقرن من ولاية العهد، وقرار إعفاء محمد بن نايف من المركز الثاني في الخلافة، ووضع محمد بن سلمان مكانه، وهي محاولة لإنهاء حكم عائلة آل سعود، وحصر المُلك في أبناء سلمان، وقطع الطريق على الآخرين.
يهدف الزلزال السياسي الذي ضرب في السعودية إلى إزاحة طبقة رجال الأعمال القديمة التي احتكرت جل الصفقات العمومية في الداخل، وأبدت قلقاً متزايداً من الخطط الاقتصادية المغامرة للشاب محمد، وفتح المجال لطبقة رجال أعمال جديدة من جيل ولي العهد، مهيأة لمسايرة سرعته ومتفهمة لمشروعه ومنقادة لسلطته.
الهدف الثالث من حملة الاعتقالات جمع المال الضروري لتمويل المجهود الحربي في اليمن وخطة 2030، لإعادة بناء الاقتصاد وتغيير المجتمع، ومعاقبة الأغنياء الكبار الذين صاروا سلطة مؤثرة، وصارت لهم مساحة تحرك واسعة في السياسة والإعلام والاقتصاد في الداخل والخارج.
ستكون الضربة المقبلة لمحمد بن سلمان في قلب المؤسسة الدينية، بعد أن أوشك على حسم الصراع على السلطة، بجمع كل الاختصاصات بين يديه، وبعد أن أنهى الصراع على الثروة. إذ لا يخفي محمد بن سلمان قلقه من تطرّف بعض تيارات المؤسسة الوهابية التي تحوز سلطة كبيرة في المجتمع السعودي المحافظ، وتُورّط بتشدّدها الدولة في مآزق كبيرة، أبرزها المسؤولية الأولى عن صناعة فكر الإرهاب الذي يركب على ظهر السلفية الجهادية.
هل سينجح الملك سلمان، ونجله، في عبور العواصف الداخلية والخارجية، والخروج من بحر الظلمات بسلام، ومعهما 31 مليون سعودي، أعمار نصفهم أقل من 25 عاماً؟ يقلق هذا السؤال ملياراً ونصف مليار مسلم يتابعون ما يجري في الدولة الوصية على الحرمين الشريفين، والقوى الكبرى التي تتابع ما يجري في أول دولة منتجة للنفط.
A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.