ذكرى ميلاد: شاغال.. ضوء من الحب والحرية

09 أكتوبر 2018
شاغال وبيلا أثناء رسم "بيلا بالأخضر" في نيويورك، 1935
+ الخط -

تظهر في معظم أعماله بعينين مفتوحتين على وسعهما، إنه ينام على صدرها فتحتضنه بقوة، هي التي ترى بينما هو في نصف إغماضة مطمئن أنها تقوم بفعل الرؤية عنه وعنها.

إنها الكاتبة الروسية بيلا روزينفيلد (1895-1944) الزوجة الأولى للفنان الروسي مارك شاغال الذي تحل ذكرى ميلاده اليوم (1887-1985)، بطلة أعماله وخياله الطائر، وعنها يقول الفنان "في لوحاتي أخفيت حبي"، إذ أن الحب والفن في حالة تماهٍ وذوبان كامل في لوحات صاحب "العاشقان".

تظهر الحبيبة في لوحة "بيلا بالياقة البيضاء" كما لو كانت وردة كبيرة وإلهية مطلة وكبيرة تنظر إلى شاغال الصغير يلاعب ابنتهما في حقول بعيدة، إنها لوحة رسمت عام 1917 بعد ولادة طفلتهما إيدا بعام واحد.

وليس مستغرباً أن يجسّد شاغال بيلا بهذه الإطلالة المريمية الراعية، والقريبة من وردة جورية بيضاء، فحين يرسم شاغال الورود فهو يرسمها بكميات كبيرة، إنها أشجار من الحياة والشغف، تشكل جسراً بين الأرضي والسماوي، نرى امرأة في إحدى أعماله تنظر إلى السماء وتمد يدها حاملة باقة من الزهور إلى ما يظهر أنه ملاك.

في لوحة "عيد الميلاد" تعود بيلا بالثوب نفسه طائرة وشاغال نفسه طائر فوقها، مرة أخرى تحمل باقة من الأزهار وتبدو كما لو أنها ستعبر من النافذة المغلقة أمامها كشبح من دون أن تكسرها.

الأزهار بالنسبة إلى شاغال لا تعني الجمال فقط، بل تذهب إلى ما هو أعمق، إنها الحياة الجديدة التي تعرف عليها بعد مغادرته روسيا، فلطالما ذكر أنه تعرف على كثير من أنواع الورود بعد خروجه من بلاده.

بالنسبة للفنان والكاتبة كان عام 1923 عاماً فارقاً، فقد وصلا إلى باريس وفيها وجد شاغال السلام لأول مرة واعتبرها وطنه الفني، حيث لقيت أعماله ترحيباً كبيراً من قبل الأوساط التشكيلية والنقاد، ودعي لأن يكون جزءاً من الحركة السريالية لكنه لم يرد أن يكون جزءاً من أي حركة، قال إنه لا يستطيع أن ينتمي إلى جماعة فنية فهو يريد أن يصغي إلى قلبه فقط، حيث قلب شاغال موضع الحب والفن معاً.

الأمر أشبه بعلاقته بالواقع والخيال، حيث يبدو في أعماله كما لو كان يقبض على كل منهما بيد، بالعودة إلى عمل "العاشقان" مرة أخرى، تضم بيلا شاغال، ويبدو القمر المكتمل كما لو أنه جزء من فستانها، إنهما معاً وهذا واقع، لكنهما طافيان في سحر الحلم في وقت واحد، فهكذا كان شاغال يضفي على بيلا تلك الميزة السحرية التي كان يراها فيها، يقول "أرسم ما أرى وما أحلم به"، مرة أخرى يخلط بين الواقع والخيال، بين ما يرى وما يتصوّر.

في تلك المدينة الجنوب فرنسية الواقعة بين البحر والجبل، متحف مخصص لأعمال شاغال، أسسه بنفسه، في الداخل تنتشر مقاعد طويلة مثل مقاعد الكنيسة، إنه مكان يشبه ما أراد الفنان بالضبط. تحتضن القاعات لوحات مستوحاة من سفري التكوين والخروج، ومن نشيد الإنشاد على وجه الخصوص، حيث حاول شاغال أن يجمع السعادة الحسية الجسدية بالروحية.

مثل ماتيس كانت ألوان شاغال غير عادية، وحين رحل الأول قال بيكاسو "لم يبق في العالم أحد يفهم اللون بعد ماتيس إلا شاغال"، فقد شكل الاثنان في تاريخ الفن الحديث ثورة على اللون كما عرفه الفنانون واستخدموه، وحباً كبيراً لكل الأطياف ورغبة عميقة في تجريبها والإضفاء عليها، الأحمر عند شاغال لون فريد، كثيرون حاولوا تقليده غير أنه جزء من ثورة لونية تضخ الحياة في شخصيات عالمه التي تعيش حالة من الهيام مع الفضاء والطيران.

تتذكر حفيدته أنها دخلت عليه يوماً فوجدته يحدق في الريشة، قال لها "انظري أنا أحاول أن أفهم هذا الرمادي، إنه صعب جداً".

لا يمكن النظر إلى أعمال شاغال دون الشعور بالسعادة أو نوع من السرور، ثمة الكثير من العاطفة التي تصل المتلقي والكثير من الاحتفاء بالحياة والعلاقة مع الآخر. كان شاغال يسمي الفن "ضوء الحرية"، وقد ملأ العالم بهذا الضوء، كتب مرة "أشعر أن العالم صحراء قاحلة وأن روحي هائمة فيه".

المساهمون