جديد درو غادِرْد: "أوقات عصيبة" مع السينما

جديد درو غادِرْد: "أوقات عصيبة" مع السينما

03 نوفمبر 2018
"أوقات عصيبة في الرويال" لدرو غادِرْد (فيسبوك)
+ الخط -
لا يمكن مشاهدة "أوقات عصيبة في الرويال" (2018)، ثاني أفلام المخرج الأميركي درو غادِرْد (1975)، من دون التوقف كثيرًا عند تأثّره بكوانتن تارانتينو، إنْ في طريقة كتابة السيناريو وسرد الأحداث، أو في ملامح وتفاصيل تقنية وبصرية، أو حتّى في استخدام الموسيقى والأغاني الكلاسيكية. لكن، رغم خبرته السينمائية والتلفزيونية كمنتج وسيناريست لأعمالٍ مختلفة حقّقها في العقدين الأخيرين، إلّا أنه وقع في التقليد والتأثّر الهاوي، ولم يستوعب كثيرًا أنّ طبيعة فيلمه ربما لا تكون "تارانتينيّة" بالكامل.
غرباء يحملون أسرارًا قديمة تنكشف مع مواجهة بعضهم البعض الآخر في مكان غامض. هذه الحبكة مفضّلة لغادِرْد في أعماله. يمكن تفهّم ذلك مع أعمال له، كمسلسل Lost (الذي شارك فيه منتجًا وكاتبًا)، أو كسيناريو Cloverfield عام 2008 لمات ريفيز، أو فيلمه السابق كمخرج The Cabin In The Woods عام 2012. فهناك دائمًا "غرباء" و"مكان" و"أحداث غامضة تنفجر". الأمر نفسه يتكرّر في "أوقات عصيبة في الرويال": 7 أشخاص يلتقون صدفة في فندق "الرويال" المنعزل، عام 1969. لكلّ واحد منهم مهمّة وهوية سريتان تختلفان عن اللتين يُظهرهما. مع تصاعد الأحداث، تقع مذبحة تكشف، بشكل غير مباشر، ماضيهم، والسبب الحقيقي لوجودهم هنا، بالتوازي مع محاولاتهم للنجاة. الفيلم جاذب في بدايته وفصوله الأولى، بسبب مساحة الغموض غير المفتعلة إزاء الشخصيات. هناك قسيس يُثير بعض الريبة، وعميل لـ"المكتب الفيدرالي للتحقيقات (أف. بي. آي)" ذو مهمّة سرية، وشقيقتان غرائبيتان في تصرّفاتهما وعلاقاتهما، وغير ذلك من تفاصيل تطرح أسئلة، وترسم مساحة جيدة من الغموض، بإضافة خيارات بصرية للعمل، تحديدًا التصميم الفني للفندق الذي تدور الأحداث فيه، بألوانه التي يغلب عليها الأحمر والأصفر طوال الوقت، وأماكن التصوير الضيقة المليئة بالممرّات والسراديب.

في تلك المرحلة التأسيسية الطويلة، تظهر أكبر مشكلة يواجهها الفيلم: رغبة كاتبه ومخرجه في محاكاة كوانتن تارانتينو (1963)، وتحديدًا في فيلمه الأخير The Hateful Eight عام 2015 في تقسيم الفصول والـ"فلاش باك" وطبيعة الحوارات العبثية الدائرة بين الشخصيات. فهذه المحاكاة (المباشرة جدًا والساذجة أحيانًا) تؤدّي إلى مقارنة حتمية ليست في صالح عمل درو غادِرْد.
لكن الأهمّ كامنٌ في أن فيلم "أوقات عصيبة في الرويال" يحمل طوال الوقت أبعادًا رمزية تخصّ الأبطال والفترة الزمنية وعلاقتها بالوقت الحالي، بالإضافة إلى أفكارٍ يرغب المخرج في التعبير عنها بشكل ملح لا ينسجم مع ادّعائه "الغرائبية والعبثية" أحيانًا. فمع تقدّم الأحداث، في النصف الثاني من الفيلم، ينكشف أكثر أننا أمام "نماذج" أكثر من كوننا أمام "شخصيات"، ويبرز سبب اختيار "جندي عائد من فيتنام" أو "مغنية سمراء" أو "سفّاح متأثّر بأفكار الستينيات الثورية" أو عميل الـ"أف. بي. آي" الذي يتجسّس على الجميع، وصولاً إلى العجوز الأقرب إلى رعاة البقر، وندرك أن اجتماع هؤلاء في مكانٍ واحد له غاية أكبر من سرد حكاية مثيرة. وكلّما تقدّمت الأحداث يثقل الفيلم أكثر برمزية الأحداث والشخصيات، وحتى الناجين من المذبحة في النهاية، وإنْ على حساب حجم الإثارة أو الغموض أو سينمائية الفيلم نفسه، فيقع غادِرْد في تناقض وتشتت بين الشكل الفني الذي أراده لفيلمه والأفكار والرمزيات التي رغب في التعبير عنها.

دلالات

المساهمون