التباسات أداء أبو عوف: أجمل من أن يكون عابراً

التباسات أداء وحضور عزت أبو عوف: أجمل من أن يكون عابراً

02 يوليو 2019
في أحد عروض فريق les petits chats (أرشيف)
+ الخط -
نادرة هي أدواره السينمائية المُثيرة لمتعة المُشاهدة، رغم أنّ أفلامًا عديدة قادرةٌ على لفت انتباه المهتمّ بالسينما، لما فيها من سجال وتحريض على إعمال العقل والإحساس. رغم هذا، فإنّ له حضورًا رصينًا وهادئًا، والتماعة في العينين تبدو كأنّها تقول أكثر مما يُفترض بالشخصية أن تقوله. عزت أبو عوف، الراحل أمس الاثنين (الأول من يوليو/ تموز 2019)، قبل أقلّ من شهرين على احتفاله بعيد ميلاده الـ70 (مواليد 21 أغسطس/ آب 1948) متمكّن من إثبات وجود له على الشاشة الكبيرة، بفضل ميزات قليلة يُتقنها، كحركة العينين والوجه، أو كنبرة الصوت، أو كنظرة تبتعد عن المحيطين به كي تكتشف أحوال مسألة ما.. 

لائحة أعماله طويلة. رئاسته "مهرجان القاهرة السينمائي الدولي"، قبل أعوام مديدة على اندلاع "ثورة 25 يناير" (2011)، تجربة غير مُثمرة كلّيًا، بقدر ما تبقى محاولة جدّية له للنهوض بالمهرجان محليًا ودوليًا. تنويعات اشتغالاته كثيرة في التمثيل أساسًا (سينما وتلفزيون وإذاعة)، لكن أيضًا في برامج مختلفة، كما في تأليف ألحانٍ موسيقية. أداؤه التمثيلي مُثير للحيرة: في أدوار متواضعة، يبدو الأبرز والأهمّ في تكثيف حضور شخصيته، وسلوكها. في أدوار أصعب، يجعل من الشخصية انعكاسًا لارتباكات درامية متعلّقة بالدور الذي يؤدّيه، أو ربما لارتباكاتٍ منبثقة من التباسات تمثيله. يُشارك في أعمال عديدة ضيف شرف، فيظهر أجمل من أن يكون عابرًا، وعندما يُطلب منه أن يكون في موقع جدّي للغاية، يبدو كأنّه يتصنّع ذلك، مع أنّه غير متصنّع كلّيًا.

لكن لعزت أبو عوف أناقة دائمة، تنعكس في ملامح وجهه وحركة جسده ومشيته، كما في ملابسه التي يرتديها لتأدية دور، أو تلك التي يختارها في مناسبات عامة. أناقة تكاد تغطّي على سيرته المهنيّة، الزاخرة بكمّ هائل من الأعمال، بعضها نتاج تعاون مع مخرجين يمتلكون مشروعًا أو بصمة أو سمات تجديد واختلاف. مع خيري بشارة، يُمثّل مرارًا: "آيس كريم في جليم" (1992) و"حرب الفراولة" (1994) و"إشارة مرور" (1996). مع عاطف الطيب: "كشف المستور" (1994) و"ليلة ساخنة" (1995). مع محمد خان أيضًا: "بنات وسط البلد" (2005). مع مجدي أحمد علي: "أسرار البنات" (2001) و"خلطة فوزية" (2009) و"عصافير النيل" (2010).

هذه أمثلة. هذه حكايات مغلّفة باشتغالات سينمائية تعكس مشاريع ورؤى صانعيها، لكن عزت أبو عوف قادرٌ على تثبيت مكانٍ ما له فيها، وإنْ يبقى محاصرًا بطغيان المشاريع وصانعيها. في سيرته المهنية، تبدو الكوميديا طاغية. مشاركته مع عادل إمام أشبه ببطاقة دخول إلى فنّ الإضحاك، لكن إمام طاغٍ، والعاملين معه غير قادرين على الظهور خارج "الزعيم". ربما لهذا يلجأ الممثل إلى أفلام أخرى، محاولاً فيها تبيان قدراته الأدائية ممثلًا كوميديًّا. مع شريف عرفة مثلاً، لن يبقى أسير الكوميديا الصرفة. المخرج يمنحه دورًا في "إضحك الصورة تطلع حلوة" (1998) مثلاً، بطولة أحمد زكي. هذا وحده كافٍ للتنبّه إلى الاختبارات التمثيلية التي يخوضها أبو عوف، فالكوميديا هنا مبطّنة في غلاف ساخر، إذ تذهب الحكاية إلى ما هو أبعد من علاقات مدمَّرة، وحصار خانق للروح والذات. أبو عوف سيلتقي زكي في "أرض الخوف" (2000)، فيتجدّد اختباره التمثيلي، ويؤكّد ـ مجدّدًا ـ التباسات حضوره الأدائي، إذ يكشف في هذا الفيلم، كما في أفلام هؤلاء المخرجين، أنّ فيه قدرًا وافيًا من البراعة، التي ينقصها نصّ متين الحبكة، وشخصية متماسكة ومؤثّرة، وحوارات تساهم في إظهار شيء من تلك البراعة.
لا انتقاص من سيرة مهنيّة يصنعها عزت أبو عوف بجدّية وحبّ، بل بشغف غالبًا، على امتداد سنين طويلة. الرغبة في التمثيل تحريضٌ له على المثابرة والاختبار، والموافقة على أدوارٍ غير سليمة كلّيًا، لكنها تمرينٌ على الاشتغال، بدل الانصراف إلى عزلة باكرة.

المساهمون