برامج "الرعب": لأننا نحبّ التعذيب... نستمتع ونضحك؟

30 يونيو 2015
لا نشبع إلا برؤية العذاب بعيون الضحايا (العربي الجديد)
+ الخط -
لماذا نستمتع ونحن نشاهد "رامز واكل الجوّ" لرامز جلال أو "هبوط اضطراري" لهاني رمزي، أو "فؤش في المعسكر" لمحمد فؤاد؟ لماذا نستمتع بكلّ هذا الرعب والإرهاب والتعذيب؟ ولماذا نتلذّذ حين نرى بشراً ينتظرون لحظة قتلهم أو موتهم؟

ممّا يجمع هذه البرامج الثلاثة أنّها "برامج مقالب" أبطالها – ضحاياها هم نجوم في الفنّ أو المجتمع، على هذه الدرجة أو تلك من الشهرة. لكنّ أبرز ما يجمع بينها، وما يهمّ أكثر، هو أنّها كلّها تنقل الضحايا إلى مرحلة "الاقتراب من الموت".

"رامز واكل الجوّ" يأخذ ضحيته إلى طائرة صغيرة فوق دبي ويجعله يعيش لحظات رعب على اعتبار أنّ الطائرة تعطّلت وستسقط. يتساءل كثيرون: ماذا لو أصيب الضيف بذبحة قلبية؟ ماذا لو هبط ضغطه أو ارتفع السكّري في دمه أو أصيب بواحد من الأمراض التي تسبّبها المفاجآت السيئة؟

مثله يفعل هاني رمزي في طائرة أكبر. أما "فؤش في المعسكر" العام الماضي فكان يوهم الضيوف بأنّ قوّة إسرائيلية اختطفتهم وقرّرت إعدامهم، وفي لحظة تنفيذ حكم الإعدام، قبل إطلاق الرصاصة على الرأس. ينكشف المشهد. هناك تماماً في لحظة يظنّ الضيف أنّه ميت لا محالة.

لكنّ معظم المشاهدين يضحكون: انظروا كيف يخاف محمد هنيدي من الموت. انظروا كيف أنّ نيكول سابا أُغمي عليها. انظروا كيف ظنّ باسم ياخور أنّه سيموت بعد ثانية واحدة. ونضحك ويضحك المشاهدون جميعاً. وترتفع نسب المشاهدة، وتزيد الإعلانات، وترتفع الأرباح. والضحكات تلعلع من المحيط إلى الخليج.

كأنّه ما عاد يضحكنا إلا رؤية "الآخر" يتعذّب. التلصّص على لحظات الموت ليست جديدة. الحبّ والموت هما الخلطة السحرية لاجتذاب انتباه الناس عبر التاريخ، من "ألف ليلة وليلة" وقتل العشيقة قبل صياح الديك، إلى "تايتانيك" وموت البطل لإنقاذ حبيبته... لكنّ الجديد هو أنّ عشرات الملايين من العرب يستمتعون بـ"التعذيب"، وبرؤية الضيوف – الضحايا يقتربون من الموت وهم يصرخون طلباً للنجدة ويرتعدون.



نريد أن نراهم في لحظاتهم الأخيرة. نرغب في التلذّذ بمعرفة ما إذا كانوا سيذلّون أنفسهم. إذا كانوا سينهارون. إذا كان الرجل منهم سيخسر "رجولته" ووهرته، وإذا كانت المرأة ستبكي وتُوَلوِل.

اقرأ أيضاً: الإعلام الغربي: "رامز واكل الجو" سوقي ومزعج

في الغرب (وهذا مطلع جملة تُستعمل عادة لجلد الذات لكنّها حقيقية) معظم برامج المقالب ترسم البسمة على وجه "الضحية". حتّى لو أخافته قليلاً، كما في هذا الفيديو (اضغط هنا)، حيث يجعلها فريق البرنامج تشكّ في أنّها إرهابية بالمطار. أو كما في هذا الفيديو (اضغط هنا)، حيث المقالب لا تزيد حدّتها عن إيهام الضحيّة بأنّه أخطأ أو بأنّ فريق البرنامج من الذي يعانون من قصور عقلي.

لكنّ برامج المقالب العربية مختلفة. ألا تشبه "اللحظة" التي يعيشها العرب هذه الأيّام؟ لحظة "رعب" و"تعذيب" و"قتل" و"استمتاع" بكلّ هذا. استمتاع بإرهاب الآخرين وبقتلهم وبتعذيبهم وبرؤيتهم.

ليس صدفة أنّ هذه البرامج هي الأكثر مشاهدة هذا العام. لا يوجد نجوم "سرقوا" الأضواء في المسلسلات أو مسلسلات "لافتة". حتّى النجوم الكبار مثل عادل إمام لا يحظون بنسب مشاهدة، أو على الأقلّ باهتمام في الإعلام التقليدي أو وسائل التواصل الاجتماعي، بالقدر الذي تحتلّه هذه البرامج من مساحات كبيرة، ويومياً، في الإعلامين، التقليدي والحديث.

اقرأ أيضاً: رُعب برامج المقالب.. المُعلن والمنتج والجمهور عاوزين كده!

هو خليط من المازوشية والسادية. فنحن نريد رؤيتهم يتعذّبون، وأحياناً نحزن لحزنهم، ونكاد نتعذّب معهم، قبل أن نضحك متلذّذين بعذاباتهم وصراخهم. أيضاً في الأمر شيء من الرغبة في تحطيم أصنام هؤلاء الأبطال الذين نراهم دوماً في قمّة الأناقة والرقيّ. بصورهم المشغولة بحرفة، وفيديواتهم المحبوكة بفريق من عشرات المعدّين، وكلماتهم المنتقاة بعناية شديدة.

ففي تلك البرامج نراهم "على حقيقتهم"، أو ما نظنّ أنّها "حقيقتهم". الأصحّ أنّنا نراهم في أسوأ حالاتهم، وأسوأ حالة يمكن أن يختبرها إنسان. ربّما هكذا ننتقم من حيوات الشهرة والمجد والثراء التي نظنّ أو نعرف أنّهم يعيشونها، ولا نحصل عليها. 

استمتاع المشاهدين بكلّ هذا الشرّ ليس عادياً. في بعض البرامج الغربية يتلذّذ المشاهدون بالابتسامة، بالنكتة، بمشهد شبه إباحيّ، بمراقبة من لا يعرف أنّه مُراقَب. أما نحن فنريد رؤية الموت في العيون، والقهر في النفوس، والذلّ في السلوك. نريد "تمزيق" الناس في بيوتنا وتحطيم شخصياتهم، فيما نتناول طعام الإفطار. 

هو اللحم المتطاير بين أيدينا على المائدة، وبين عيوننا على الشاشة. 

اقرأ أيضاً: "كشري أبو طارق" سيقاضي رامز جلال وبرنامجه

دلالات
المساهمون