تُفتتح الدورة الـ 9 لـ "أيام بيروت السينمائية"، مساء الأربعاء، في 15 مارس/ آذار 2017، بعرض الفيلم اللبناني "ربيع"، لفاتشي بولغورجيان. والـ "أيام" مهرجانٌ للسينما العربية، يُقام في بيروت مرة واحدة كل عامين، ويُقدِّم نتاجات سينمائية عربية جديدة، مستقلّة وشبابية تحديداً. علماً أن "الجمعية الثقافية للإنتاج السمعي البصري ـ بيروت دي. سي." تُنظِّم عروضه وندواته ولقاءاته المتنوّعة، لغاية 24 مارس/ آذار الجاري.
أما "ربيع"، فيطرح تساؤلات حول الهوية والأصول والعلاقات، عبر حكاية شابٍ يكتشف، فجأة، أن من تولّى تربيته أعواماً طويلة ليسوا أهله البيولوجيين، فيبدأ رحلة بحثٍ، تهدف إلى "معرفة الحقيقة"، وتمرّ في منعرجات بلدٍ لا يزال قائماً في بؤر خرابه المدوّي، المنبثق من حربٍ أهلية تبدو كأنها مستمرّة في إنتاج خللٍ وارتباكاتٍ والتباسات عيش وتواصل بين الناس.
وإذْ يختار منظّمو "أيام بيروت السينمائية" فيلماً لبنانياً، لافتتاح الدورة الـ 9 هذه، يتناول أسئلة راهنٍ معلّق وماضٍ غامضٍ، فإنهم يُقدّمون "اصطياد أشباح" للفلسطيني رائد أنضوني، في ختام دورةٍ يُراد لها انفتاحاً على أسئلة المنفى والفؤاد والذاكرة والحاضر. وأنضوني، المُنتج والمخرج، مُساهمٌ فعليّ في حراك سينمائيّ فلسطيني تجديديّ، يُحاول إيجاد مساحة تعبير مختلفة، تستخدم الصورة الوثائقية، غالباً، في أبحاثها البصرية والدرامية والجمالية، في أسئلة الحياة اليومية في ظلّ الاحتلال الإسرائيلي.
يبني "اصطياد أشباح" حكايته الوثائقية على اعتقال فلسطينيين كثيرين من قِبَل المحتلّ الإسرائيلي. ولتحقيق هذا، يتعاون مع معتقلين فلسطينيين سابقين، يستعيدون أمام الكاميرا أحداثاً ووقائع وحالات تعرّضوا لها في مركز "المسكوبية" للتحقيقات، في القدس المحتلة. استعادة تُقدِّم صورة حسية وواقعية ومباشرة عن عنفٍ إسرائيلي ضد الفلسطينيين، وترسم ملامح مناخٍ غير إنساني يفرضه محقّقون إسرائيليون على المعتقلين، وتعكس معالم مركز التحقيق هذا، وظروف الاعتقال، وآليات التحقيق، والزنازين التي يُسجن فيها المعتقلون الفلسطينيون.
في مقابل مشاركاتٍ عديدة لـ "ربيع" في مهرجانات دولية عديدة، منها "مهرجان دبي السينمائيّ الدوليّ" ـ فازت جوليا قصار، في دورته الـ 13 (7 ـ 14 ديسمبر/ كانون الأول 2016)، بجائزة أفضل ممثلة، عن دورها فيه ـ ينال "اصطياد أشباح" جائزة Glashutte (تبلغ قيمتها المالية 50 ألف يورو)، التي تُمنح للمرة الأولى، في الدورة الـ 67 (9 ـ 19 فبراير/ شباط 2017) لـ "مهرجان برلين السينمائيّ الدوليّ (برليناله)".
بالإضافة إلى فيلمي الافتتاح والختام، وما بينهما من أفلام حديثة الإنتاج (روائية، وثائقية، تجريبية)، تُعرض، في إطار "سينما المنفى"، أفلامٌ، بعضها قديم الإنتاج: "عائد إلى حيفا" (1981) للعراقي قاسم حول (1940)، عن رواية بالعنوان نفسه (1969) للكاتب الفلسطيني غسان كنفاني (1936 ـ 1972)؛ و"ليس لهم وجود" (1974) للفلسطيني مصطفى أبو علي (1940 ـ 2009)؛ و"الجائزة" (2011) للمكسيكية ذات الأصل الأرجنيتي باولا ماركوفيتش (1968)؛ و"خارج الإطار ـ ثورة حتى النصر" (2016) للفلسطيني المولود في الكويت مهند يعقوبي (1981)؛ و"المنام" (1987) للسوري محمد ملص (1945).
إلى فلسطين وهمومها الإنسانية، المتمثّلة في أعمالٍ سينمائية مُنتجة في مراحل زمنية مختلفة، هناك فُسحتان عربيتان، تمتلك كلّ واحدة منهما نتاجاً مفتوحاً على أسئلة الصورة وعلاقتها بالواقع، وصناعة الفيلم وإنتاجه المستقلّ.
فالدورة الـ 9 تُخصِّص فُسحة أولى بتونس، "تهدف إلى الإضاءة على أفلام جيل جديد"، بعضهم يُقدِّم "أول فيلم روائي طويل" له: علاء الدين سليم و"آخر واحد فينا"، ولطفي عاشور و"غدوة حي"، ومحمد بن عطيّة و"نحبّك هادي". هناك أيضاً الوثائقيّ الطويل "زينب تكره الثلج" لكوثر بن هنيّة، والروائي القصير "خلينا هكا خير" لمهدي البصراوي. أما الفُسحة الثانية، فمخصّصة بمصر، وفيها تُعرض 3 أفلام مستقلّة: الروائيان الطويلان "آخر أيام المدينة" لتامر السعيد و"أخضر يابس" لمحمد حمّاد، والوثائقي الطويل "النسور الصغيرة" لمحمد رشاد.
وللأفلام التجريبية حيّزها الخاص أيضاً، كـ "نوبة هلع" (سورية) لخالد الورع، و"في المستقبل أكلوا من أفخر أنواع البورسلين" (فلسطين/ الدنمارك) للاريسا صنصور وسورِنْ ليند، و"سكون السلحفاة" (لبنان) لروان ناصيف، وغيرها.
هناك أيضاً أفلام أخرى، من لبنان وسورية والجزائر والمغرب. فالبرنامج حافلٌ بأعمالٍ تحرِّض على المُشاهدة، التي تترافق و"ملتقى بيروت السينمائيّ" (17 ـ 20 مارس/ آذار الجاري)، الذي يجمع 16 مخرجاً ومنتجاً عربياً، لديهم حالياً مشاريع سينمائية (روائية ووثائقية)، و30 خبيراً عربياً وأوروبياً، متخصّصين بشؤون المهنة وأصولها وتقنياتها وصناعتها. أي أن الملتقى سيُشكّل فرصةً لمخرجين شباب، كي يعرضوا مشاريعهم تلك، وكي يُناقشوها مع عاملين في السينما، على أن تختار لجنة تحكيم خاصّة (يُعلن عن أسماء أعضائها لاحقاً) بعض المشاريع لمنح أصحابها جوائز. والملتقى يهدف إلى "إفساح مجالٍ أمام المشاريع وأصحابها للحصول على تمويل دولي، وإنتاجات مشتركة".
هذا كلّه يأتي في سياق البحث عن المختلف، في صناعة حديثة. استعادة عناوين قديمة جزءٌ من مشروع ثقافي عام، تعمل "جمعية بيروت دي سي" في إطاره، وتتيح "أيام بيروت السينمائية" فرصاً عديدة لمواكبته. والجزء هذا مبنيٌّ على عدم القطع مع الماضي، إذْ يحمل بعض الماضي، على الأقلّ، ركائز تجديدية ما، لا شكّ في أن الراهن مستفيدٌ منها، بطريقة أو بأخرى.
اقــرأ أيضاً
أما "ربيع"، فيطرح تساؤلات حول الهوية والأصول والعلاقات، عبر حكاية شابٍ يكتشف، فجأة، أن من تولّى تربيته أعواماً طويلة ليسوا أهله البيولوجيين، فيبدأ رحلة بحثٍ، تهدف إلى "معرفة الحقيقة"، وتمرّ في منعرجات بلدٍ لا يزال قائماً في بؤر خرابه المدوّي، المنبثق من حربٍ أهلية تبدو كأنها مستمرّة في إنتاج خللٍ وارتباكاتٍ والتباسات عيش وتواصل بين الناس.
وإذْ يختار منظّمو "أيام بيروت السينمائية" فيلماً لبنانياً، لافتتاح الدورة الـ 9 هذه، يتناول أسئلة راهنٍ معلّق وماضٍ غامضٍ، فإنهم يُقدّمون "اصطياد أشباح" للفلسطيني رائد أنضوني، في ختام دورةٍ يُراد لها انفتاحاً على أسئلة المنفى والفؤاد والذاكرة والحاضر. وأنضوني، المُنتج والمخرج، مُساهمٌ فعليّ في حراك سينمائيّ فلسطيني تجديديّ، يُحاول إيجاد مساحة تعبير مختلفة، تستخدم الصورة الوثائقية، غالباً، في أبحاثها البصرية والدرامية والجمالية، في أسئلة الحياة اليومية في ظلّ الاحتلال الإسرائيلي.
يبني "اصطياد أشباح" حكايته الوثائقية على اعتقال فلسطينيين كثيرين من قِبَل المحتلّ الإسرائيلي. ولتحقيق هذا، يتعاون مع معتقلين فلسطينيين سابقين، يستعيدون أمام الكاميرا أحداثاً ووقائع وحالات تعرّضوا لها في مركز "المسكوبية" للتحقيقات، في القدس المحتلة. استعادة تُقدِّم صورة حسية وواقعية ومباشرة عن عنفٍ إسرائيلي ضد الفلسطينيين، وترسم ملامح مناخٍ غير إنساني يفرضه محقّقون إسرائيليون على المعتقلين، وتعكس معالم مركز التحقيق هذا، وظروف الاعتقال، وآليات التحقيق، والزنازين التي يُسجن فيها المعتقلون الفلسطينيون.
في مقابل مشاركاتٍ عديدة لـ "ربيع" في مهرجانات دولية عديدة، منها "مهرجان دبي السينمائيّ الدوليّ" ـ فازت جوليا قصار، في دورته الـ 13 (7 ـ 14 ديسمبر/ كانون الأول 2016)، بجائزة أفضل ممثلة، عن دورها فيه ـ ينال "اصطياد أشباح" جائزة Glashutte (تبلغ قيمتها المالية 50 ألف يورو)، التي تُمنح للمرة الأولى، في الدورة الـ 67 (9 ـ 19 فبراير/ شباط 2017) لـ "مهرجان برلين السينمائيّ الدوليّ (برليناله)".
بالإضافة إلى فيلمي الافتتاح والختام، وما بينهما من أفلام حديثة الإنتاج (روائية، وثائقية، تجريبية)، تُعرض، في إطار "سينما المنفى"، أفلامٌ، بعضها قديم الإنتاج: "عائد إلى حيفا" (1981) للعراقي قاسم حول (1940)، عن رواية بالعنوان نفسه (1969) للكاتب الفلسطيني غسان كنفاني (1936 ـ 1972)؛ و"ليس لهم وجود" (1974) للفلسطيني مصطفى أبو علي (1940 ـ 2009)؛ و"الجائزة" (2011) للمكسيكية ذات الأصل الأرجنيتي باولا ماركوفيتش (1968)؛ و"خارج الإطار ـ ثورة حتى النصر" (2016) للفلسطيني المولود في الكويت مهند يعقوبي (1981)؛ و"المنام" (1987) للسوري محمد ملص (1945).
إلى فلسطين وهمومها الإنسانية، المتمثّلة في أعمالٍ سينمائية مُنتجة في مراحل زمنية مختلفة، هناك فُسحتان عربيتان، تمتلك كلّ واحدة منهما نتاجاً مفتوحاً على أسئلة الصورة وعلاقتها بالواقع، وصناعة الفيلم وإنتاجه المستقلّ.
فالدورة الـ 9 تُخصِّص فُسحة أولى بتونس، "تهدف إلى الإضاءة على أفلام جيل جديد"، بعضهم يُقدِّم "أول فيلم روائي طويل" له: علاء الدين سليم و"آخر واحد فينا"، ولطفي عاشور و"غدوة حي"، ومحمد بن عطيّة و"نحبّك هادي". هناك أيضاً الوثائقيّ الطويل "زينب تكره الثلج" لكوثر بن هنيّة، والروائي القصير "خلينا هكا خير" لمهدي البصراوي. أما الفُسحة الثانية، فمخصّصة بمصر، وفيها تُعرض 3 أفلام مستقلّة: الروائيان الطويلان "آخر أيام المدينة" لتامر السعيد و"أخضر يابس" لمحمد حمّاد، والوثائقي الطويل "النسور الصغيرة" لمحمد رشاد.
وللأفلام التجريبية حيّزها الخاص أيضاً، كـ "نوبة هلع" (سورية) لخالد الورع، و"في المستقبل أكلوا من أفخر أنواع البورسلين" (فلسطين/ الدنمارك) للاريسا صنصور وسورِنْ ليند، و"سكون السلحفاة" (لبنان) لروان ناصيف، وغيرها.
هناك أيضاً أفلام أخرى، من لبنان وسورية والجزائر والمغرب. فالبرنامج حافلٌ بأعمالٍ تحرِّض على المُشاهدة، التي تترافق و"ملتقى بيروت السينمائيّ" (17 ـ 20 مارس/ آذار الجاري)، الذي يجمع 16 مخرجاً ومنتجاً عربياً، لديهم حالياً مشاريع سينمائية (روائية ووثائقية)، و30 خبيراً عربياً وأوروبياً، متخصّصين بشؤون المهنة وأصولها وتقنياتها وصناعتها. أي أن الملتقى سيُشكّل فرصةً لمخرجين شباب، كي يعرضوا مشاريعهم تلك، وكي يُناقشوها مع عاملين في السينما، على أن تختار لجنة تحكيم خاصّة (يُعلن عن أسماء أعضائها لاحقاً) بعض المشاريع لمنح أصحابها جوائز. والملتقى يهدف إلى "إفساح مجالٍ أمام المشاريع وأصحابها للحصول على تمويل دولي، وإنتاجات مشتركة".
هذا كلّه يأتي في سياق البحث عن المختلف، في صناعة حديثة. استعادة عناوين قديمة جزءٌ من مشروع ثقافي عام، تعمل "جمعية بيروت دي سي" في إطاره، وتتيح "أيام بيروت السينمائية" فرصاً عديدة لمواكبته. والجزء هذا مبنيٌّ على عدم القطع مع الماضي، إذْ يحمل بعض الماضي، على الأقلّ، ركائز تجديدية ما، لا شكّ في أن الراهن مستفيدٌ منها، بطريقة أو بأخرى.