بعد أن فاض به الكيل من ظلم الحياة المحيطة به، يعبِّر بطل المسلسل الساخر "خادم الشعب" (2015)، أستاذ التاريخ الطيب والمتواضع، فاسيلي غولوبورودكو، عن غضبه بألفاظ خارجة عن النص، بينما صوّره أحد التلاميذ.
وبعد جمع مقطع الفيديو ملايين المشاهدات على الإنترنت، ونيله دعماً شعبياً كبيراً، يترشح غولوبورودكو الذي يؤدي دوره الممثل الساخر، الرئيس الأوكراني الحالي فلاديمير زيلينسكي، للانتخابات الرئاسية ويفوز بها. سيناريو كُتب له أن يتحقق على أرض الواقع بعد فوز زيلينسكي برئاسة أوكرانيا هذا العام.
وبعد توليه زمام الرئاسة، يسعى غولوبورودكو إلى اتباع أسلوب حياة متواضع، والذهاب إلى عمله بوسائل النقل العام ويسكن في شقة عادية، ويستغني عن الحرس الشخصي، ويعمل على تحسين أوضاع المواطنين العاديين، ولكنه يصطدم بنخبة سياسية فاسدة حتى النخاع، لا همّ لها سوى التربح وركوب أفخر أنواع السيارات.
يشكّل غولوبورودكو فريقه من زملائه السابقين في المدرسة، ويبدأ بشنّ حملة شرسة لمكافحة الفساد، تنتهي باعتقال رئيس الوزراء الذي يعمل لصالح ثلاثة طواغيت مال، يتحكمون فعلياً في الشؤون الاقتصادية للبلاد.
وتبدأ أحداث الموسم الثاني من المسلسل (2017)، بعد مرور نحو ستة أشهر على تنصيب غولوبورودكو، وسط تراجع الأوضاع الاقتصادية في البلاد وارتفاع الأسعار، وتهاوي قيمة العملة الأوكرانية (هريفنا)، فلا يبقى أمامه خيار سوى الاقتراض من صندوق النقد الدولي، الذي يشترط على كييف إجراء إصلاحات اقتصادية وتطبيق قوانين مكافحة الفساد.
إلا أن الرادا العليا (البرلمان الأوكراني) التي يتحكم فيها الأوليغارشيا، تمنع تمرير مثل هذه القوانين، ما يضطر غولوبورودكو للتحالف مع رئيس الوزراء المعتقل والعفو عنه، مقابل وضع استراتيجية ماكرة لإحداث وقيعة بين طواغيت المال الثلاثة.
وبعد فشله في تمرير الإصلاحات، يقرر غولوبورودكو التنحي عن الرئاسة، ولكنه يترشح مرة أخرى، من دون أن يوفقه الحظ هذه المرة.
أما الموسم الثالث (2019)، فيسلط الضوء على الأحداث اللاحقة من منظور درس تاريخ في عام 2049، ويتناول تداعيات سجن غولوبورودكو بعد خسارته في الانتخابات، ثم عودته إلى الرئاسة عقب تفكك أوكرانيا، فاستعادة وحدتها، وتحولها تدريجياً إلى بلد متقدم له اقتصاد متنوع ومزدهر.
وجدت شخصية غولوبورودكو طريقها إلى قلوب الأوكرانيين إلى حد تحقيق زيلينسكي، رغم افتقاده أي خبرة سياسية، فوزاً كاسحاً بالجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في إبريل/ نيسان الماضي أمام سلفه بيترو بوروشينكو.
ومنذ أيامه الأولى في الرئاسة، اتبع زيلينسكي طريق غولوبورودكو في تطهير المنظومة السياسية في أوكرانيا عن طريق حل الرادا العليا، وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة وإنجاح حزبه الذي يطلق عليه أيضاً اسم "خادم الشعب".
كما يسعى زيلينسكي لتقديم نفسه على أنه مواطن عادي، إذ سافر مؤخراً إلى مدينة أوديسا المطلّة على البحر الأسود بالدرجة السياحية مع إحدى شركات الطيران الأوكرانية، حيث التقط تلاميذ إحدى المدارس صوراً تذكارية معه على متن الطائرة.
لكن ما يزيد من تحديات زيلينسكي في الرئاسة بعيداً عن تحركاته الشعبوية، هو أن أوكرانيا أفقر بلد في أوروبا من حيث حصة الفرد في الناتج المحلي الإجمالي، وتواجه نزاعات حدودية مع روسيا.
كما أن أوكرانيا تأتي في المرتبة الـ120 في مؤشر مدركات الفساد لمنظمة الشفافية الدولية لعام 2018، ما يضعها في المرتبة نفسها مع دول أفريقية مثل ليبيريا ومالاوي ومالي، فهل سينجح "خادم الشعب" في تكرار سيناريو مسلسله وتحقيق مستقبل مشرق لبلاده؟