عمدة روتردام لـ"جيل": أوروبا ليست في صراع مع الإسلام

15 يونيو 2017
(بوطالب، تصوير: نيكولاس عصفوري)
+ الخط -

في كل مرة يضرب الإرهاب في أوروبا، يقفز اسم أحمد بوطالب إلى الساحة الإعلامية. تدرّج بوطالب، المغربي الأصل، في مناصب القرار السياسي في هولندا من وزير في الحكومة المركزية ثم عمدة لمدينة روتردام. في ظرف سنوات قليلة نال المديح من الصحافة في الأراضي المنخفضة، بل إن إحدى أشهر المجلات اختارته شخصية العام 2015.

عُرف بوطالب بموقفه الصريح تجاه الحركات الإسلامية المتطرفة؛ حيث دعاها في إحدى خرجاته المثيرة للجدل إلى تسليم الجواز الهولندي ومغادرة البلاد بشكل نهائي، ليجلب عليه هذا التصريح هجومًا حادًا وصل إلى حد تهديده بالقتل.

في هذا الحوار الخاص مع "جيل"، يتحدث أحمد بوطالب، عمدة مدينة روتردام، وأحد أبرز المرشحين لتولي رئاسة الحكومة المركزية في هولندا، عن أسباب نجاحه في تسيير واحدة من أكبر المدن الأوروبية؛ قصة نجاحه في الاندماج في مجتمع متهم على الدوام بتبني صور نمطية عن المسلمين، كما يتوقف طويلًا عند التفجيرات التي شهدتها كل من بروكسل وباريس، قائلًا في هذا الصدد: "صار لزامًا على المسلمين مراجعة أفكارهم والكف عن التذرع بنظرية المؤامرة".

 

مرة أخرى يبرز اسم بوطالب كواحد من أشد المناهضين للتطرف، بعضهم يقول إن هجومك العنيف ضد الإسلاميين المتطرفين ليس سوى بروباغندا لكسب مزيد من الدعم السياسي في هولندا.
موقفي اتجاه العنف والتطرف الديني قديم؛ إذ يعود إلى سنة 2004 بالتحديد. فقد أدليت بأول تصريح لي في هذا الإطار في الأيام الأولى بعد اغتيال الكاتب والمخرج الهولنديvan Gogh في أمستردام على يد الشاب المغربي محمد بويري. وموقفي كان منسجمًا مع القناعات التي أؤمن بها ومنطقيًا أيضًا؛ إذ كيف يعقل أن يقبل أي إنسان أن يقتل شخص ذنبه الوحيد في الحياة أنه يستعمل حقه في التعبير عن موقفه ويطعن في مواقف الآخرين.


تُسيّر إحدى أكبر المدن الاقتصادية في العالم. ما قصة نجاحك في تدبير شؤون مدينة روتردام؟
نجاحي في تدبير شؤون مدينة روتردام كمسؤول أول عن المدينة هو نجاح جماعي، وليس نجاحًا شخصيًا؛ لأنني أؤمن قبل كل شيء بالعمل الجماعي والتشاركي والنجاحات الفردية تتأتى ضمن عمل جماعي متسق ومنسجم وفيه حلول واقتراحات مبدعة.

لعل من بين أهم أسباب نجاح تجربة تسيير مدينة روتردام أني تمكنت من توظيف كل إمكانيات المدينة والمواطنين من أجل تجديد المدينة وتحقيق مشاريع أعطت لروتردام سمعة طيبة محليًا ودوليًا. لكن دعني أخبرك بشيء مهم؛ هو أن الفضل يعود، قبل كل شيء، إلى عزيمة المواطنين والمنتخبين في مجلس المدينة الذين لعبوا دورًا بنّاءً في كل ما حققناه، وجعل الإعلام يتحدث عنّا بهاته الطريقة المتميزة. أما دوري فكان دور المحرك الذي فتح الأبواب أمام كل اقتراحات المواطنين وتوفير الميزانية الضرورية لتحقيق مشاريعهم ومقترحاتهم على أرض الواقع بعد مناقشتها. وهذا في تقديري دور العمدة.


تؤكد استطلاعات الرأي أنك أصبحت إحدى الشخصيات المؤثرة في المشهد السياسي في هولندا، وهناك من دعاك بشكل مباشر للترشح لرئاسة الحكومة. هل يمكن أن تكون على رأس ثاني منصب سياسي في هولندا؟
بصراحة، لم أخطط، إلى حدود الساعة، للمستقبل؛ علمًا بأن المستقبل بيد الله ولا أحد يمكن أن يتكهن بما سيحدث في الشهور المقبلة. الذي أعرفه أنه هناك فعلًا استطلاعات رأي تعطي لي تقدمًا، ليس فقط اليوم بل منذ مدة طويلة.

أكثر من ذلك، أنه ثمة نداء للمواطنين كانوا دائمًا يوجهون نداءات كي أترشح في الانتخابات التشريعية. في الوقت الراهن يستعد حزبنا لانتخاب زعيم جديد في شهر أكتوبر القادم. والحال أن زعيم الحزب الحالي السيد سمسمن يعد من المرشحين لتولي هذا المنصب مرة أخرى. ولقد صرحت في الأسابيع الماضية أنني لا أريد "مبارزته" للوصول إلى زعامة الحزب. هل سأكون يومًا على رأس الحكومة؟ لا أعتقد أنني أملك الجواب في الوقت الراهن، وسنرى ما ستسفر عنه الأيام. من جهة أخرى، لا بد من التذكير أنني وعدت سكان المدينة بأني سأبقى في روتردام لخدمتهم. والوعود التي نقطعها على المواطنين، يجب أن نفي بها.


أكدت المعطيات أن الكثير من المغاربة شاركوا في الهجمات الإرهابية التي استهدفت قبل شهور كلاً من باريس وبروكسل، كيف تفسر ذلك؟
أحداث باريس وبروكسل مؤلمة جدًا. للأسف الشديد، فإن منفذي هذه العمليات من أصول مغربية. ليس من السهل شرح الأسباب الحقيقية التي دفعت هؤلاء المجرمين إلى تنفيذ هذه العمليات، والتي أدت إلى وقوع عدد كبير من الضحايا. ماذا يمكن أن نفهم من وراء هاته التفجيرات؟ يمكن أن نفهم شيئًا واحدًا لا يقبل التأويل، وهو أن وجود عدد من الأشخاص الذين فجروا أنفسهم يدل على عمل إرهابي أيديولوجي ليس له أي ارتباط بالتمييز العنصري أو الوضعية الاجتماعية أو ضعف الاندماج في المجتمع.

أريد أن أطرح السؤال الآتي: هل ضعف الاندماج هو سبب الأعمال الإرهابية؟ هل الفقر هو الدافع الأساس لمشاركة السعوديين في صفوف داعش لقتل الأبرياء من الشيوخ والنساء والأطفال؟ الإجابة عن هاته الأسئلة يمكن أن يوضح لك كل شيء. الإرهاب الذي نراه أمامنا لا علاقة له بالاندماج والفقر في أوروبا، وإنما هو ناتج عن خطة إيديولوجية سياسية محكمة.


تجسد تجربة اندماج ناجحة في هولندا، لكن الكثير من العرب عموماً، والمغاربة خصوصاً، عجزوا عن الانخراط في المجتمعات الأوروبية وبيان ذلك أنهم يلتحقون بمنظمات إرهابية، كيف يمكن أن تشرح لنا هذه الظاهرة؟
في تقديري، يجب معالجة ظاهرة الإرهاب في الغرب انطلاقًا من الوضع الاجتماعي والسياسي في الغرب. لكن يبقى دائمًا السؤال المرتبط بالإسلام، لأن هؤلاء المجرمين يبررون أعمالهم بما ورد في القرآن والسنة ويقولون إن هذا هو المفهوم الصحيح للجهاد. هنا بالذات يطرح مشكل حقيقي يجب أن نفكر فيه جميعًا، ومن الصعب على الغرب أن يفهم أن دين الإسلام يسمح بقتل الأبرياء. هذا، في رأيي، ما يفضي في الأخير إلى نشر الكراهية وسحب الثقة من أي شيء له علاقة بالإسلام ويخلق لدى الآخر نفورًا من المسلمين.


هل تعتقد أن أوروبا دخلت في مرحلة صراع مع الإسلام؟
هل هناك صراع بين أوروبا والإسلام، ليس هو السؤال الصحيح في تقديري؛ لأنه ليس ثمة أي أساس يشرع طرح هذا السؤال؛ فالثقافة الأوروبية تتأسس على التعددية والحوار والسلم، وعلى أساس هاته المبادئ قامت الوحدة الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية التي أدت إلى مصرع الملايين. لهذا، فسكان القارة العجوز يتوفرون على دروس تاريخية تجعلهم يتفهمون أن حرية التعبير وحرية التدين وعدم التدخل في الحياة الشخصية للأفراد من لدن الأنظمة الحاكمة خط أحمر.

ورغم كل هذا الجو المشحون في أوروبا، لا يمكننا القول، بأي حال من الأحوال إن أوروبا تخوض حربًا ضد الإسلام. أرى أن تصحيح الصور النمطية الملتصقة بالمسلمين، هو في يد المسلمين أنفسهم وذلك عن طريق إعطاء البرهان على أن الإسلام هو دين التعايش والتسامح وأن للمسلمين دورًا مهمًّا يلعبونه لبناء مجتمع سليم أساسه التعددية والاحترام المتبادل. لقد سبق لي أن توجهت بنداء إلى كل من يهمه الأمر أن يتخلى عن إحساس الضحية ويتقدم إلى الأمام كمواطن يريد أن يتحمل جزءاً من المسؤولية، ويكون فعالًا وليس متفرجًا يشتكي من أعداء الإسلام أو الاستكانة إلى نظرية المؤامرة التي لا تجدي في شيء.


ماذا تقصد بالتحديد بالخطة الإيديولوجية السياسية التي تجعل مغاربة ينفذون أعمالًا إرهابية في بعض البلدان الأوروبية؟
الإرهاب في أوروبا هو إيديولوجي في المقام الأول، ولا أراه، شخصيًا، نتيجة للفقر أو التمييز العنصري. أبدًا ليس الأمر كذلك. فهناك من غادر هولندا ليلتحق بداعش تاركًا وراءه منصبًا جميلًا كان يتقاضى عليه أجرًا محترمًا، وكان متزوجًا وأبًا لفتاة لا تتجاوز ثمانية أشهر. هذا الرجل المغربي نفذ في العراق عملية انتحارية وكتب قبل وفاته رسالة لابنته لا ليعتذر عن قراره، وإنما ليشرح لها أن ما قام به هو الجهاد في سبيل الله. لا أفهم حقًا كيف تفكر هاته العقليات. ما أعنيه بالخطة الإيديولوجية أنه نوع من الصراع المسلح المبني على أفكار تكفيرية تسمح لهؤلاء الأشخاص قتل الأبرياء للوصول الى الهدف الإيديولوجي: تأسيس دولة مبنية على أفكارهم الخاطئة.

صحيح أن الغرب يلجأ إلى استعمال العنف في الشرق الأوسط، لكنه في غالب الأحيان، تطلب حكومات تلك البلدان التدخل لوضع حد للحروب في المنطقة، كما أن بعض تلك الدول تتدخل عسكريا، وفي اعتقادي، فإن الإرهاب والحروب شيئان متشابهان ويؤديان إلى نفس النتائج، والحقيقة أنهما، كما يعتقد كثيرون، لا يفرزان أي منتصر في الأخير.


ألا ترى أن الهولنديين لن يقبلوا وجود سياسي ذي أصول مغربية على رأس حكومتهم؛ بمعنى آخر، لماذا نتهم المسلمين فقط بالإرهاب، بينما بلادهم تخرب وتهاجم من لدن الغرب كما يحدث في العراق وأفغانستان؟
هل سيقبل الشعب الهولندي رجلا مسلما على رأس الحكومة المركزية؟ أرى أنه من السابق لأوانه الحديث عن الأمر. صحيح أن المؤشرات تؤكد وجود حركات محلية بادرت بإنشاء صفحات على فيسبوك تطالبني بالبقاء على رأس المدينة في السنوات المقبلة، وتدافع عني كي أساهم في تنمية مدينة روتردام، بينما يوضح استطلاع الرأي الأسبوعي الذي ينشر كل يوم أحد أن هناك دعمًا كبيرًا لشخصيتي على رأس الحكومة. لكن هاته الاستطلاعات تعبر عن الرغبة الحقيقية للمواطنين أم لا. فلننتظر الأيام المقبلة.


رغم كل التهديدات التي تحدق بأوروبا إلا أن هولندا ما تزال بمنأى عن الهجمات الإرهابية، هل تعتقد أن هناك شروطًا مختلفة في هذا البلد لا تشبه ما هو قائم في بلجيكا وفرنسا على سبيل المثال؟
العنف التكفيري والإرهاب يمكن أن يصلا إلى هولندا في أية لحظة. وهناك موشرات كثيرة توحي باحتمال وقوع ذلك. لكن في نفس الوقت نرى أن هناك اختلافات كبيرة في وضعية المسلمين في كل من هولندا وبلجيكا وفرنسا. لا يمكن أن نخفي أن الأحوال هنا أحسن بكثير مما هو حاصل عند جيراننا في الأحياء القديمة علاوة على أن العلاقة بين المسلمين والسلطات المحلية تختلف كثيرًا. وهو نفس الشيء ينسحب على موضوع الثقة بين المسلمين وجهاز الأمن مثلًا.


هوجمت غير ما مرة من طرف أحزاب متطرفة، وكانت دائمًا أصولك المغربية هي السبب الرئيس في هذا الهجوم، كيف قاومت أولًا تهديدات من طرف جماعات إسلامية ثم جماعات متطرفة هولندية؟
في الحلبة السياسية هناك دائمًا أنصار وأعداء ومعارضون أيضًا. هذا أمر طبيعي جدًا ولا أخاف منه. في الإسلام نقول لكل نعمة نقمة. الذي لا أحبه ولا يحبه أي إنسان آخر هو أن أصادر حقك في الكلام بالاستناد إلى العنف أو ما يتجاوز ذلك في بعض الأحيان. على العموم، لا أريد أن أتحدث عن هذه التهديدات، لكي لا يعتقد المهددون بأنهم يؤثرون على حياتي الشخصية، ونادرًا ما أتحدث عن هذا الموضوع.

المساهمون