"الفاجعة" الألمانية في الصحافة الفرنسية

"الفاجعة" الألمانية في الصحافة الفرنسية

22 ديسمبر 2016
ميركل في عين الصحافة الفرنسية (توبياس شواريز/فرانس برس)
+ الخط -
ما كان للاعتداء الإرهابي الذي ضرب ألمانيا، وتسبّب في مقتل 12 شخصاً، إلا أن يثير وسائل الإعلام الفرنسية، فتخصص له صفحاتها الأولى وافتتاحيات، ومقالات وملفات عديدة. 

في صحيفة "لوفيغارو"، التي كان غلافها الكبير "التهديد الإرهابي الذي يزعزع ألمانيا"، مقالات كثيرة عن "ميركل في مواجهة الاختبار الإرهابي" و"نهاية الاستخفاف الألماني"، ثم "التعاون الأمني الوثيق بين فرنسا وألمانيا"، الذي أصبح أكثر إلحاحا، من ذي قبل.
افتتاحية الصحيفة وقّعها أرنو دي لاغرانج، بعنوان لا يخلو من دلالات "نهاية البراءة"، فكتب "شيء ما تغير في أوروبا، مساء يوم الإثنين، لأن ألمانيا ضُرِبت كما لم يحدث من قبل في تاريخها الحديث"، وأضاف: "لم تكن ألمانيا، قبل يوم الإثنين، تتصور نفسها في منأى، ولكن ليس في الخطوط الأولى". ويفسر أن "التهديدات الكبرى كانت من نصيب فرنسا". وإذا كانت فرنسا مستهدفة فالأمر شبه طبيعي، كما يقول كاتب الافتتاحية، فقد دفعت ثمن كونها رائدة في مكافحة الإرهاب وأيضا بسبب ماضيها الكولونيالي وعلمانيتها التي تُفهَم بشكل سيئ"، أمّا ألمانيا التي لا تشاطر فرنسا هذه الخصائص، فقد كان يوم 19 ديسمبر/كانون الأول، من دون شك "نهاية البراءة". ويصل كاتب الافتتاحية في النهاية إلى حصيلة أن "الإرهاب الإسلاموي ليس، فقط، مشكلا فرنسيا. بل إنه يستهدف ثقافة وعالَما وحضارةً".

والموقف نفسه، تقريباً يرد في الحوارَين اللذين أجرتهما الصحيفة مع المفكر باسكال بروكنر والباحث جيل كيبل. ويرى بروكنر أن "السذاجة لم يعد مسموحاً بها في مواجهة الجهاديين"، واعتبر بروكنر أنه "منذ ثلاثين سنة ونحن نفهم، ببطء، أن البربرية ليست خاصة بثقافة واحدة، ثقافتنا، ولكنها يمكن أن تمسّ كل البلدان"، وفي الوقت نفسه، لم يمنع هذا المفكر، المعروف بتوجهاته الصهيونية والأمنية، نفسَه من مهاجمة الفيلسوف الفرنسي الكبير جان-لوك نانسي، الذي عقّب على اعتداء نيس بالقول: "يجب تفتيش وتفكيك الشاحنات الحمقاء لما نفترضه تقدما ولتهويماتنا عن الهيمنة وبَدَانتنا التجارية".
أما جيل كيبل فقد دافع، مرة أخرى، عن وجهة نظره حول الإرهاب، التي لا يبدو أنها تلاقي تأييداً كبيراً، واعتبر أن اعتداءي نيس وبرلين متشابهان، رغم أن "النُّخَب الألمانية كانت تتصور نفسها في منأى عن الإرهاب الإسلاموي". وانتقد "كثيراً من المنتخبين والصحافيين والجامعيين الألمان الذين كانوا يقدرون أن فرنسا تتحمل جزءاً كبيرا من المسؤولية في الاعتداءات الإرهابية التي تضربها. فالجار الفرنسي، في نظرهم، قوّةٌ كولونيالية سابقة دفعت ثمن أخطائها، كما أن فرنسا، وخلافا لألمانيا، لا تمنح الشغل لسكانها من أتباع الديانة الإسلامية في الأحياء الفقيرة. كما أن الفرنسيين، في نظر جيراننا، يمارسون علمانية عدوانية، يشهد عليها القانون حول الحجاب في المدرسة. كذلك ترفض فرنسا منح وضعية لائقة للإسلام. باختصار، فرنسا، في نظر النُّخَب الألمانية، تمثل نموذجا-مُضاداً".

صحيفة "لوموند" تحدثت عن ضربة "أصابت قلب برلين"، ونقرأ فيها للباحثة في العلوم السياسية من جامعة استوكهولم، بربارا كونز، أن "ألمانيا لم تكن ترى نفسها ضالعة في الحرب ضد الإرهاب". أما المؤرخ جان بيير فيليو، فيرى أن ألمانيا، هي أيضا، مستهدَفَة في المقام الأول من طرف الاستراتيجية الجهادية.

أما صحيفة "لاكروا" فترى أن ألمانيا، بعد اعتداء برلين "دخلت في عهد جديد"، حيث إن "الحياة ستعاود مسارها في برلين، وسفتتح أسواق الأعياد من جديد في ظل حراسة أمنية عالية. ولكن حملة ميركل الانتخابية تتسم بمخاطر انتقاد سياستها حول استقبال المهاجرين ورؤية صعود نجم الحزب المناهض للمهاجرين".
وتكشف الصحيفة أنه "على الرغم من أن السلطات الألمانية شددت من شروط استقبال اللاجئين، بعد الاعتداءات الجنسية التي عرفتها كولونيا، قبل سنة، فإن حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي يواصل تشديده على ضرورة فرض محاصصة فيما يخص طالبي اللجوء، وهو ما ترفضه ميركل"، لحدّ الساعة.
وتعترف الصحيفة أن اللاجئين هم أيضا خاسرون بعد هذا الاعتداء، لأنه "سيُطلَق من جديد النقاش حول منح حقوق جديدة لجهاز الاستخبارات، وبشكل خاص، الوصول إلى ملفات الإدارة التي تتضمن معطيات شخصية لطالبي اللجوء، وأيضا مراجعة إجراءات التسجيل لدى المكتب الفدرالي للهجرات واللاجئين".
وتقول الصحيفة بأن السؤال السائد الآن في ألمانيا، هو "هل ستغير ميركل سياستها الأمنية، وتلك المتعلقة باللاجئين؟"، الوقت وقت حداد، ثم سيأتي وقت اتخاذ الإجراءات الضرورية لتهدئة الرأي العام الألماني الذي أصيب في أعماقه. "لكن الشيء الذي سيفرض ردة فعل ميركل، هو موقف الشعب الألماني في قادمات الأيام"، كما يقول كريستيان موليغ، الخبير في قضايا الإرهاب في "صندوق مارشال الألماني".

"ليبراسيون"، أيضا، تناولت الفاجعة الألمانية، بغلاف لا يخفى فيه وجه المستشارة ميركل الحزين، وعنوان: "أصيبتْ"، "حيث ألمانيا في حداد، وأنجيلا ميركل تحت الضغوط، بعد الاعتداء الذي خلّف 12 قتيلا". ورأت الصحيفة أن سياسة ميركل فيما يخص الهجرة، تقبع، الآن، تحت الضغط من قبل يمين الحكومة.

أما غلاف صحيفة "لومانيتيه" فكان كله مكرَّسا للمأساة الألمانية، أطفال عليهم مظاهر الحزن وشموع وجملة: "برلين في القلب". وتلخص الصحيفة الشيوعية الوضع، الآن، في ألمانيا: "قوميو ألمانيا والخارج يتنافسون في مزايداتهم المعادية للأجانب، وتقدميّو "برلين المُواطَنة"، كما أنجيلا ميركل، يكافحون الفخّ".




المساهمون